قد نرى ونسمع بين فينة وأخرى حديثا عن أحوال المعلمين السعوديين من أبناء هذا البلد، وعن المطالبة بتحسين أوضاعهم ومستوياتهم، وإعطائهم المكانة اللائقة بهم، ولا شك أن هذا هو شأن الأمم المتحضرة الطامحة إلى التقدم والعزة والكرامة، وهو من أبجديات شؤون الأمة المؤمنة بربها وبالوحي الخالد المبين.
بيد أني وعند تقليب النظر، واستشعار الأمانة، والإصغاء لداعي الإنسانية، أجد أن هناك فئة من المعلمين لهم دور هام، وحضور كبير في كياننا التعليمي والتربوي، ولا أجد حديثا حول ظروفهم ومصاعبهم ومشكلاتهم المحيطة بهم ألا وهم المعلمون المتعاقدون في التعليم الحكومي، وهم إخوة لنا، ويقومون بنفس المهمة التي يقوم بها المعلمون من أبناء البلد، ويعايشون مع إخوانهم بيئة تعليمية واحدة، وهم فئة لولا حاجة التعليم إليهم وعدم اكتفائه لما وفدت إلينا، وهم يسهمون مع إخوانهم في تربية فلذات الأكباد، وتعليم النشء المنتظر الذي يرجى منه النهوض ببلاده وأمته.
وأنا حينما أختصر حديثي وأوجز ما عندي في ذلك، أرى أنه يحضرني أمران بارزان، أود أن أسطرهما أمام كل قارئ ومتابع، وأمام من له صلاحية النظر، والإصلاح والتطوير، من ولاة الأمر - سددهم الله -، ومن أصحاب المعالي والسعادة من المسؤولين الكرام - نفع الله بهم - وهما:
الأول: أن التعاقد مع المعلم غير السعودي على أجرة أقل من المعلم الرسمي أو السعودي بفارق كبير، حيث يبدأ بمرتب قدره 2500 ريال - شاملة للمواصلات - ويتدرج إلى حدود 4000 ريال وتقف العلاوات إلى هنا ولا تزيد وإن طالت الخدمة بعد ذلك، ويعطى بدل سكن يقارب 8000 ريال وقد يزيد عليها بألفين أو ثلاثة ويقف عند ذلك.
فلا أدري ماذا يصنع معلم مغترب بأسرته بهذا الأجر، وكيف ستكفيه هو وأبناءه وزوجته، وكيف سيستطيع تأمين المصاريف المدرسية، وكيف سيكابد الغلاء المعاصر، والذي ضاق به من يأخذ أضعاف هذا المرتب الزهيد، وأما بدل السكن فهل يا ترى يمكن أن يستطيع المعلم أن يحصل به على سكن متواضع فضلا عن أن يكون محترما، لا أظن اليوم أن أحدا يستطيع أن يحصل بهذا الثمن على ملحق صغير فضلا عن شقة صالحة للسكن مع العلم أن هذا المبلغ أصبح يتأخر عن وقته المفترض.
والسؤال الذي يتبادر إلى النفس المؤمنة اللوامة هنا: لماذا لا يتساوى الأجر المبذول للمتعاقد مع إخوانه السعوديين؟ وما المانع من ذلك؟ العمل واحد! والرسالة واحدة! والمصلحة واحدة! والأمة واحدة! والمصلحة لأبنائنا ومجتمعنا، بل إن بعض الإخوة المتعاقدين لديه من الخبرة والاطلاع والممارسة وحسن الأداء ما يفوق على بعض إخوانه السعوديين، والشواهد والأمثلة كثيرة على هذا فنحن في بلاد استفادت في التعليم بفضل الله من كفاءات عربية ومسلمة متعددة، مع العلم أن مبدأ المساواة في أجرة المعلم المتعاقد مع المعلمين الأساسيين من أبناء البلد تعمل به دول خليجية شقيقة لا أرى أننا نقل عنهم فهما وإدراكا لفضل العلم وقيمة المعلم.
وحتى لو كان المعلم المتعاقد قد أتى على علم ورضى بهذا، ولم يضرب على يده - حسب تعبير البعض - فهل نرضى له بهذا، ثم نرجو أن نرى نتاج جهده وإبداعه في الناشئة عظيما.
الثاني: أذكر هنا أمرا لا يقل أهمية عن ما سبق، وهو من أشد ما يكابده الإخوة المتعاقدون كل عام ألا وهو عدم معرفة مصيره في النقل أو التوجيه إلى مدرسة أو منطقة أو هجرة من الهجر أو غير ذلك، وفي هذا من الإرباك والشتات والحيرة الكثير، فقد يسافر المعلم إلى بلاده وفي حسبانه أنه يعود في نفس مدرسته الأولى، ويهيئ نفسه لهذا، ويدفع إيجار سكنه إلى مالك العقار، ويبقى أولاده في مدارسهم التي يدرسون فيها كالعادة، فإذا هو يفاجأ في بداية العام الدراسي بنقل يربك أمره ويشتت شمله، وأظن أن من يقدر الظروف ويتفهم المسؤوليات يدرك ضرر هذا وإلى الله المشتكى.
وهنا تظهر أهمية أن تكون إجراءات النقل أو الاستغناء أو المسح الميداني في بداية الفصل الدراسي الثاني أو منتصفه أو في نهاية العام.
وأرجو أن لا يؤاخذني أصحاب الشأن من الإخوة المسؤولين عن هذا إن غاب عني بعض الشيء فقد يكون نقل المعلمين المتعاقدين مرتبطا بتعيين الخريجين الجدد من المعلمين السعوديين أو غير ذلك، ولكن هذا لا يمنع من الاعتراف بالمشكلة وتقصي أسبابها.
وختاما، فهذه إشارة إلى هم من هموم التعليم، يتعلق بإخوة اغتربوا من بلدانهم لتعليم أبنائنا، والمشاركة في صنع النهضة التنموية في البلد، وهم إن أخذوا مقابل على ذلك فلقد ضحوا بالكثير، وبما قد يؤثر على مستقبل أبنائهم عند وصولهم لمرحلة الجامعة، والمجرب يعرف ماذا أقصد..
ولعل القراء الكرام من المسؤولين المعنيين بالموضوع وغيرهم قد يدركون أنه ليس لكاتب هذه الأسطر من مصلحة شخصية ينالها من هذا، ولا رغبة في أن ينازع الأمر أهله، وإنما هو الدلالة على الخير، وبيان الحق الذي هو واجب على أهل القلم، والتذكير بضرورة أن تكون هذه البلاد منبر عدالة وإنصاف وإخاء وإيمان، والله غالب على أمره.
* rashed_alqhtany@hotmail.com