Al Jazirah NewsPaper Monday  23/02/2009 G Issue 13297
الأثنين 28 صفر 1430   العدد  13297
صناعة التعليم
د. سعد محمد الفياض

 

يقول ابن عبدون: (التعليم صناعة تحتاج إلى معرفة ودراية ولطف؛ فإنه كالرياضة للمهر الصعب الذي يحتاج إلى سياسة ولطف، وتأنيس حتى يرتاض ويقبل التعليم). من أجل هذا فالمربي صانع الحضارات الحقيقي له المكانة البارزة في التربية للدور الأخلاقي الذي يقوم به إلى جانب دوره التعليمي، فالقدوة الحسنة وتطابق القول العمل؛ محاط بسياج اللين والرفق، والكلمة الطيِّبة، والابتسامة الصادقة، تلك صفات لا يتحلَّى بها إلا العظماء المؤثّرون في مجتمعاتهم.. فالمربي الناجح أو المعلم المتميّز لا يكون بكثرة حفظه أو وفرة معلوماته أو كثرة شهاداته! وإنما يكون بما تملكه وتحلّى به من صفات العطف والحلم، والرحمة واللين، والعدل والإخلاص، مسترشداً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لا يَرحم لا يُرحم) يُشفق عليهم كما يشفق على أبنائه، يعاملهم بعفوية وانفتاح، وهدوء وارتياح، وثقة نفس؛ فالتلاميذ يدركون تميّز شخصية معلمهم وقوة تأثيره من خلال تعامله معهم وردود أفعاله من تصرفاتهم.. من أجل هذا على المربي أن يكون محباً لطلابه وأن يشعرهم بذلك وأن يعاملهم معاملة الصديق أو الأخ الشفيق.. يصبر عليهم ويتحمّل أخطاءهم ويعالج تقصيرهم برفق.. ويهذب سلوكهم بالحسنى، المربي الناجح هو من يعطي الفرصة لطلابه للتعبير عمّا في نفوسهم بالحوار الهادئ، والنقاش المنضبط.. المربي المتميّز هو من يصل إلى قلوب طلابه قبل عقولهم بالثناء الحسن والمدح والتحفيز.. تراه واسع الأفق، يبتعد عن المشاعر النفسية السيئة التي تؤثّر على طلابه كالقلق والتشاؤم والاضطراب، بعيداً عن صفات العلو والفوقية أو الغلظة والشدة عليهم؛ لأن هذه الصفات السيئة أحرى بأن تجعله لا يحظى بقبول طلابه له، لأنهم سيرون فيه من القصور ما يبررون به رفضهم وإهمالهم لما يقول؛ بل تفسير نصحه وتوجيهه على غير وجهه..

أخيراً اعلم أخي المربي: أنك مهندس الأمة وصانع مجتمعاتها، أنت مدرسة الأجيال والذي على يديك بعد الله تكون نهضة الأمة وتقدمها {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}. ولن تكون هذه النهضة وهذا التقدم إلا من خلال غرس المثل العليا في النفوس الغضة، وتربيتها في العقول الطرية بالحكمة والموعظة الحسنة لينشئ النشء شاباً متزناً واثقاً من نفسه، مكتمل الشخصية، متصفاً بالصفات النبيلة والأخلاق المُثلى، ليكون عضواً نافعاً لدينه ومجتمعه.



saad.alfayyadh@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد