Al Jazirah NewsPaper Monday  23/02/2009 G Issue 13297
الأثنين 28 صفر 1430   العدد  13297
إلى جنة الخلد يا أبا عبدالعزيز
عبدالعزيز العبدالله التويجري

 

في الأيام الماضية القريبة فقدت أسرة آل التويجري رجلاً من رجالاتها الأخيار، فقدت رجلاً من رجالات الدولة المخلصين الصادقين.. فقدت رجلاً من رجالاتها المميزين والمعروفين بالوفاء والولاء والصدق والانتماء الديني والوطني.. فقدت رجلاً عاملاً أميناً مخلصاً للدين، والدولة، والوطن، ولأسرته على وجه الخصوص.

إنه الشيخ إبراهيم العبدالعزيز البراهيم التويجري الذي كان من الرجال العصاميين.. فقد بنى نفسه بنفسه.. وكون له شخصية مستقلة ومميزة.. في مجالات العمل والتعامل.. والعطاء والإنتاج.. لأسرته الكبيرة والصغيرة.. ولدولته الكريمة.. وشبّ رحمه الله يتيم الأب.. وتولت الإشراف على تربيته وتعليمه والدته أسبغ الله عليها شآبيب رحمته ورضوانه.. حيث كانت من النساء الصالحات النقيات الورعات.. ذات المكانة الاجتماعية المرموقة لصلاحها، وحصافتها، وحسن التدبير لديها، فقد عكفت على تربية الفقيد التربية الصالحة.. ربته على الدين والخلق المستقيم.. وعلمته القرآن ومبادئ الكتابة والقراءة بصفة شخصية.. على يد الحفظة من قراء كتاب الله.. في بلدته الهادئة الوادعة (إضراس) بمنطقة القصيم.. ثم بعثته بشبابه المبكر إلى الرياض.. ليلتحق بأبناء عمومته الذين سبقوه إلى الرياض.. بطلب العلم والتعليم والعمل في أواخر الستينات من عام 1360هـ حيث تمكن من التحصيل العلمي وحفظ القرآن وإجادته وتعلم القراءة والكتابة بصورة جيدة.. وطلب العلم مع الاخوان في الرباط بدخنة مع بدايات التعليم النظامي تحت إشراف سماحة المغفور له الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وبنى له شخصية اجتماعية محبوبة ومرموقة في الوسط التعليمي يومها.. وعندما بلغت رجولته وشخصيته تمامها.. ونظراً للأحوال المعيشية الضعيفة.. فقد التحق بالخدمة الحكومية في الحرس الوطني.. ومنذ ذلك التاريخ وحتى تمت إحالته على التقاعد بعد التجديد له أكثر من مرة منذ عامين.. وهو يدير مستودعات (الأسلحة والذخيرة) بهذا المعلم الحضاري المشهود (الحرس الوطني) وكان محبوباً مقرباً من جميع الرؤساء والمسؤولين لكفاءته وأمانته، وحسن خلقه.. فقد كان مثابراً مرابطاً جل وقته في عمله.. ليلاً ونهاراً.. سراً وجهراً.. محاطاً بثقة جميع المسؤولين.. رؤساء ومرؤوسين. وكانت له (رحمه الله) منذ شبابه الأول شخصية محبوبة من الجميع، فله المهابة من الجميع، وله التقدير من الجميع، والمحبة من الجميع. الأمر الذي نصَّبه برحابة صدر من الجميع ليكون موجهاً، ومرشداً، وداعياً أميناً لجميع شباب الأسرة في الرياض. فقد كان حريصاً على سلامة سلوكيات وأحوال الجميع.

يسأل عن الكبير والصغير.. يزور كبار السن في بيوتهم ويسأل عنهم وعن أحوالهم أينما كانوا.. كما هو ملازم لزيارة الأمهات الكبار في منازلهن أينما كانت في الرياض أو في القصيم.. يبحث عن أحوالهم.. ويسأل عن صحتهم، يساعدهم.. ويساعد الشباب بكل ما يستطيع بالنصح والمشورة والمساعدات المالية الممكنة.. وله مكانة كبيرة في نفوس الصغار والكبار.. صلته بالجميع وثيقة وحميمة.. إذا قابلته ورأيت الابتسامة على وجهه.. أحببته وإن لم تكن تعرفه.. صاحب وجه بشوش.. وحديثه يخرج من القلب.. إلى القلب.. بيسر وسهولة.. مستلهماً ذلك كله.. من إيمانه بربه.. وصدقه مع الله ومع نفسه.. وولائه وإخلاصه في كل أمر من أموره.. الدينية والدنيوية.. ولم تشغله الدنيا بزخرفتها عن الآخرة.. فله يرحمه الله همسات ولمسات إنسانية جيدة.. مع الفقراء، والضعفاء، والمساكين.. لا يعلمها إلا القليل، والقليل جداً من الناس.. أعرف شخصياً كثيراً منها.. لقربي منه.. وعلاقتي الطيبة به.. فهو (رحمه الله) وفي أحيان كثيرة.. يكلفني بأعمال إنسانية رائعة.. كالسؤال عن أحد معين أو إيصال مساعدة لآخر أو التوجيه بزيارة أحدهم لأي غرض من الأغراض الإنسانية الجميلة.. التي كنت أحبها وأفرح بها.. وفقيدنا (أبو عبدالعزيز) رحمه الله رحمة واسعة.. علاقته بربه قوية ومتينة.. محافظ على دينه، ملتزم بشريعة الإسلام، مبلغ لرسالته، موجه ومرشد إلى طاعة الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية.. فله (رحمه الله) جلسات قرآنية أسبوعية في منزله ما بين صلاتي المغرب، والعشاء، يحضرها المحبون له، ولأدبه، وخلقه. والمحبون للخير أمثاله، يتلون ما يتيسر من القرآن الكريم.. ويتدارسون مفاهيمها.. ويستمعون إلى الموجز من التفاسير الميسرة ويتفهمون معانيها ودلالاتها الربانية.. إلى جانب ذلك منحه الله إجادة الرقية القرآنية الطاهرة.. لجميع الأمراض.. وخاصة الأمراض الجلدية منها بما أفاد كثيراً من الناس.. وهو لا يجهر بذلك.. إنما يتعامل مع تلك لحالات بسرية تامة.. وكل ذلك لوجه الله سبحانه وتعالى. ثم إن الفقيد (عليه رحمة الله) عضو عامل ومؤثر في صندوق الأسرة (أسرة آل التويجري) يؤخذ برأيه.. ويسمع كلامه، ويعمل بنصحه وإرشاده.. ويؤتمن على إيراداته ومصروفاته.. خدم الكثير من عوائل الأسرة.. وساعد الكثيرين من الفقراء والضعفاء بالمساعدات المالية والعينية الكثيرة.. التي قد أكون شاهداً على بعضها.. كما سجلات الصندوق.. شاهداً لإثبات الآخر على ما أقول وهو إلى جانب ذلك كله وكما قلت سابقاً قوي الصلة بربه عز وجل.. كثير الصلاة وتلاوة القرآن.. وتفهم معانيه، وتدبر آياته، يحج في كل عام.. ويعتمر ما بين الفينة والأخرى.. ويزور المسجد النبوي بالمدينة المنورة.. حيث الرباط القوي الذي يربط بينه وبين الرسالة المحمدية السامية التي حملها رسول الله محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلوات والتسليم.

والفقيد.. إنسان ورع وقنوع.. لا يهتم لأمور الدنيا.. ولا يهتم فيما يلبس، ولا فيما يركب، ولا فيما يسكن.. منكر لذاته.. مهتم بعباداته.. متواضع جداً في معاملاته وتعامله مع الناس.. له عناية فائقة في تربية أولاده، ورعاية بيته، وتفقد أحوال أسرته القريبين والبعيدين، كل يحبه، وكل يقدره، يكره الأضواء، ويبتعد كثيراً عن الشهرة، مجالسه عامرة بذكر الله بعيدة كل البعد عن المدح والقدح وسفاسف الأمور، والتعرض لأحوال الآخرين إلا بما يرضي الله سبحانه وتعالى. همه وشغله الشاغل الطاعة لله، ولرسوله، ولولاة الأمر وأمن هذه البلاد الطاهرة، ورفاهية الوطن وسعادة المواطن وأكبر دليل على ذلك أنه رحمه الله بعد إعلان وفاته تقاطر عارفوه ومحبوه وأفراد أسرته من الشرقية والغربية والقصيم والمجمعة إلى الحضور إلى الرياض للصلاة عليه والمشاركة في تشييع جنازته إلى مثواه الأخير في مقبرة النسيم بالرياض. فقد كان حضوراً كبيراً وجمعاً غفيراً ومهيباً استمر العزاء هناك في المقبرة من العصر وحتى أذان المغرب ولم يفرق جمعهم سوى ظلام الليل ووحشة المقابر وبقيت أبواب منزله مشرعة لكل الأحباب والمعارف ثلاثة أيام للمعزين في وفاته والداعين له بالمغفرة والرحمة من المواطنين وكبار المسؤولين. غفر الله لفقيدنا الغالي (أبو عبدالعزيز) وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وأولاده وبناته وجميع أفراد الأسرة التويجرية الصبر والسلوان و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}والحمد لله رب العالمين وبارك الله في خلقه من بعده ابنه الأكبر عبدالعزيز وإخوته البررة الكرام وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

- كاتب صحفي ورئيس تحرير سابق



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد