ركنا العملية التعليمية هما (المعلم) و(المناهج الدراسية)، وكلا الركنين في بلادنا تكتفهما حالة من الارتباك وعدم الوضوح في الرؤية.
مشكلتنا مع المناهج التعليمية أوجزها في قول سبق وقرأته ينسب إلى (جان روسو)، يختصر ما يجب أن تكون عليه المناهج، يقول: (حولوا انتباه تلميذكم إلى ظواهر طبيعية، فيصبح أشد فضولاً، ولكن لا تتعجلوا في إرضاء هذا الفضول، ضعوا الأسئلة في متناوله، ودعوه يجيب عليها، ليعلم ما يعلم، ليس لأنكم قلتموه له، بل لأنه فهمه بنفسه، (ليكشف) العلم بدلاً من أن (يحفظه)، فعندما يجبر على أن يتعلم بذاته فإنه يستعمل عقله بدلاً من أن يعتمد على عقل غيره). بمعنى أن نعلمه كيف يقرأ، وكيف يطرح الأسئلة، وكيف يفكر، وكيف يستنتج، وأن ننأى به عن الحفظ والتلقين.
كلما حفزنا عقله على التفكير، وشجعناه على الاستنباط، واكتفينا (بنقد) ما يتوصل إليه جراء تفكيره، وضعنا أقدامنا على الطريق نحو خلق جيل يستطيع أن يبدع ويخلق ويبتكر، وليس مجرد وعاء يحقن بما يصب فيه من معلومات، دون أن يكون لآلياته العقلية علاقة في قبول أو رفض هذه المعلومات.
النقطة الثانية أن مناهجنا، وبالذات مقررات الدين، واللغة العربية، والتاريخ، ما زالت تحتاج إلى الكثير من التنقية والتقويم والإصلاح. ورغم الجهود الكبيرة والمشكورة التي بذلها سلفكم، إلا أن هناك الكثير من التفاصيل هنا وهناك ما زالت تحتاج إلى قرارات حاسمة، في الكثير من هذه المقررات على وجه الحصر.
الركن الثاني، والجزء الأصعب في العملية التعليمية، هو (إعداد المعلم)، هنا سأتجه رأساً إلى أهم نقطة (جزئية) أجدها محورية وهي خطورة (المعلم المؤدلج) الذي كان له الدور الرئيس في تدهور العملية التعليمية في بلادنا، إضافة إلى ما نعانيه من انتشار ثقافة التشدد المؤدية للإرهاب. الذي يجب أن نعيه أننا مهما حاولنا إصلاح المناهج، وتقويمها، وتنقيتها من كل الشوائب والاعوجاجات، تبقى هذه العملية ناقصة، وغير قادرة على تحقيق غايات الإصلاح، طالما أن المعلم نفسه (موبوء) بفكر تخريبي. المعلم يستطيع بكل سهولة أن ينحي كل المناهج الجيدة والمعدلة والمصححة والخالية من كل أفكار التكفير، جانباً، ويلقن طلابه أيديولوجية التخريب، بغض النظر عما هو مقرر دراسياً، والسؤال الذي نحن معنيون بالإجابة عليه، بعيداً عن المجاملات: لماذا أينما وجد إرهاب في كل بقاع الدنيا وجدت شباباً سعوديين؟ نعم، هناك عوامل كثيرة، ومتعددة، ومتشعبة، أدت إلى هذه الظاهرة المؤسفة، غير أن (المعلم المؤدلج) هو بمثابة حجر الزاوية من كل العوامل الأخرى التي تدفع هؤلاء الشباب السذج لأن يكونوا حطباً في نار لا علاقة لهم بها. محاصرة المعلمين المؤدلجين، وكل من يسهلون مهامهم من الإداريين والمشرفين، والذين يعملون ضمن منظومة واحدة، ومتراصة، ويسند بعضها بعضاً، هي من أهم القضايا التي يجب أن نهتم بها، وستبقى جهودنا قاصرة، أو عاجزة عن تحقيق أهدافها، ما لم نحقق هذه الغاية.
إلى اللقاء.