الشريط الحدودي بين السعودية واليمن - متابعة وتصوير- عبدالله الهاجري
لا ترسم الشمس خيوطها الأولى كل يوم إلا ويكون رجال من منسوبي حرس الحدود أنهوا مهمة عملهم الليلي، لتبدأ الخطوة القادمة وهي العمل الميداني النهاري. ليلا ينتشر حماة الوطن في خطوطهم الأمامية مشيا على الأقدام يصطادون كل من يحاول المساس بأمن وأمان هذا الوطن، ينصبون الكمين في كيلومترات متجاورة ويواجهون الموت في كل لحظة ويدافعون ببطولة وجسارة، وهمهم الأوحد عدم المساس بالوطن. رجال لا تهمهم وحشة الظلام ولا يخشون الموت ولا يهابون الوحوش القاتلة ولا يلتفتون للزواحف المميتة.. لا يخشون سكون الليل بين جبال راسيات مهيبات. راحتهم القبض على الجناة. موسيقاهم الليلية المفضلة (سماع أي صوت حتى لو كان دبيب النمل) نظرهم في كل اتجاه.. لا تسمع لهم همساً ولا نفساً. موزعين بين الصخور وتحتها. هامتهم مرفوعة. حماسهم متقد. وحبهم للوطن لا حدود له. رجال درسوا كل تحركات المهربين والمتسللين.. طرقهم وعاداتهم، أوقاتهم وأساليبهم.. عددهم وعدتهم. من رجالنا من يستشهد بعد صراع ناري مع المهربين حبا في الوطن لأنهم أقسموا على حماية وطنهم، بل وترعرعوا منذ ولادتهم على حب هذه البلاد. ولذلك فليس غريبا تمكنهم من القبض على 31 ألف متسلل العام الماضي في منطقة عسير وحدها و200 مهرب ومليوني حبة مخدر والكثير من الإنجازات.. إنهم رجال يعملون بكل جد وتفان، رجال يحبون الوطن، شعارهم السعودية.. عيونهم نارية.. نبضات قلوبهم حماية الوطن.. يودعون في كل يوم أسرهم لأن عملهم قد لا يضمن لهم رؤيتهم مجددا..
حرس الحدود قطاع أمني ويعتبر الخط الأول دائما في حراسة الوطن على الحدود في كل اتجاهات الوطن الأربعة.. عملهم النهاري دوريات متواصلة حتى قبل الغروب.. وليلا ينتشرون على أقدامهم في كل اتجاه.
«الجزيرة» الصحيفة الوحيدة التي وقفت على عملهم ومعاناتهم، حيث رافقت مديري الأجهزة الأمنية بمنطقة عسير في جولة امتدت على الشريط الحدودي مع دولة اليمن الشقيق رغم صعوبة التضاريس ووعورة المكان.
انطلاقة من الربوعة
بدأت جولة «الجزيرة» من موقع الشرف والعز وفخر الوطن.. وفي مركز الربوعة التابع لمحافظة سراة عبيدة كان التجمع هناك، كان مديرو الأجهزة الأمنية في عسير من رئيس اللجنة اللواء علي الحازمي مدير شرطة منطقة عسير مرورا بكافة القطاعات الأمنية (إمارة منطقة عسير، استخبارات، مباحث، مرور، دفاع مدني، جوازات، القوات المسلحة، المجاهدين وصحيفة الجزيرة). كان قطاع حرس الحدود في الربوعة ينتظر الجميع من أفرادهم وعدتهم، الكل عرف أي سيارة يستقلها خمس سيارات جيب تقاسمناها، وبدأت الرحلة الممتدة لمسافة 150كم.
الموقع الشريط الحدودي بين السعودية واليمن من جهة منطقة عسير.. الوقت: التاسعة صباحا.. التضاريس صعبة للغاية وقاتلة، الطرق وعرة.. والمناظر جبال فقط.. وبينها مراكز المراقبة منتشرة في كل مكان.. رجال حرس الحدود بين كل صخرة وصخرة على مسافات قريبة من النظر نشاهد قرى يمنية.. وعلامات حدودية.
بدأت الرحلة.. من مركز الربوعة مرورا ب(الصحن، الجوة، الملطاة، علب، اسعر، المجازة، المسيال، الحصن) وفي كل موقع هناك وقفة فخر.. منها نستجمع قوانا لمواصلة الخطوة التالية.
أعان الله رجال حرس الحدود، فلا الخوف الليلي ينتابهم، ولا المخاطر الصحية من ركوب السيارات في تلك التضاريس الوعرة توهن عزيمتهم. ويقول احدهم (لابد أن نغير سياراتنا بصفة مستمرة بسبب التضاريس الجبلية الوعرة).
حديث اللواء الحازمي لـ«الجزيرة»:
اللواء علي الحازمي مدير شرطة منطقة عسير قال ل«الجزيرة»: باسم أمير عسير أشكر رجال حرس الحدود في المنطقة وما شاهدناه اليوم يدعو للمفخرة والاعتزاز فهناك رجال يؤدون واجبهم بكل احترام.
ويضيف الحازمي: زيارتنا ووقوفنا بتوجيه من أمير المنطقة؛ حيث قامت اللجنة الأمنية بمسح شريط الحدود الذي يربط السعودية مع دولة اليمن الشقيقة وشاركنا حرس الحدود عملهم ولمسنا ما يعانونه من طبيعة جغرافية. وأشار اللواء الحازمي: الدولة تعول كثيرا على قطاع حرس الحدود وعلى واجباتهم وعملهم، وهم يؤدون واجبهم في الخط الأمامي على خير ما يرام، وبيان المقبوضات خير دليل.
وحديث للواء عسيري
كذلك قال اللواء مريع عسيري، قائد حرس الحدود بعسير، في حوار مع «الجزيرة» بعد ختام الجولة: إن اللجنة الأمنية اطلعت على جهود حرس الحدود وعملهم والمضبوطات وعلى معاناتنا العملية التي تكمن في الطبيعة الجغرافية وخاصة في الفترة المسائية، وكان من أبرز جهودنا للعام الماضي القبض على 3500 كجم من الحشيش المخدر، وبالنظر لضخامة هذه الكمية فإن الأمر يدعو للقلق كون هذه المادة دمارا شاملا يتهدد المواطنين والمقيمين، وجهودنا متواصلة في القبض على من تسول له نفسه التهريب والتسلل.
وأشار اللواء العسيري إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية، كان أكثر أنواع التهريب من المخدرات ولهذا (كثفنا جهودنا ونشاطنا ونقوم كل يوم بمتابعة المهربين، حيث وقعنا مع شركتين لعمل الطريق الخاص على الشريط الحدودي وسفلتته وإنارته حيث تم إنجاز30% من العمل وخلال سنة ونصف ستنهي الشركتان عملهما، وبعد الانتهاء من هذا المشروع ستنخفض حالات التهريب والتسلل بنسبة تصل إلى 80%). وعن أبرز معاناة لضباط وأفراد حرس الحدود على الشريط قال اللواء مريع: قد تكون الطبيعة الجغرافية هي المشكلة الوحيدة لنا، وبالذات في الفترة المسائية، حيث يعتمد المهربون على هذه الفترة، ورغم هذا فلدينا مواقع كمين في أماكن متقاربة ولدينا خطط مدروسة لضبطهم.
ويضيف اللواء مريع: طبيعة الأرض صعبة، ولهذا لا نعلم من أين يأتي المهرب لأنهم لا يستخدمون سيارات أو دواب في عملهم ويستخدمون أصعب الطرق للتسلل، ولكن المطمئن في الأمر إننا نعمل على ثلاثة خطوط ومحاور لرصد أي مهرب؛ حيث يكون الخط الأمامي لأفراد حرس الحدود والخط الثاني للدوريات الخلفية للمراكز والخط الثالث لوحدة الدوريات. وعن تعاون الأجهزة الأمنية، وبالذات حرس الحدود في الجهة المقابلة (اليمن)، وصف اللواء مريع ذلك التعاون بالمثمر وبالذات بعد التوقيع على ترسيم الحدود، والإخوة في اليمن يعملون حسب إمكانياتهم، وجهدهم واضح في هذا الخصوص، وفي اجتماعنا الأخير معهم أكدوا لنا أن عملهم يسير وفق المتفق عليه حيث تمكنوا من مصادرة ما يقارب 12 طناً من الحشيش في الفترة الأخيرة قبل وصولها السعودية وهذا الرقم دليل مهم على جهدهم وتعاونهم.
وفي موضوع متصل ويتعلق بتسلل مطلوبين أمنيين بين البلدين، قال اللواء مريع: الرقابة الأمنية هي من أهم أولوياتنا ونحرص دائما على متابعة المتسللين، وقد يكون للمطلوبين الأمنيين طرق في الوصول من خلال تغيير ملامحهم ليصلوا بطرق رسمية من المنافذ أو الجو أو بطرق تزوير الجوازات، وما أحب أن أؤكده أن تسللهم صعب جدا عن طريق الشريط الحدودي بسبب قوة المراقبة.
وعن تهريب المخدرات وتكاثرها في السنوات الثلاث الأخيرة أبان قائد قطاع حرس الحدود في عسير: انه بسبب تضييق الخناق على المهربين في الحدود الشمالية للمملكة، وتوافر الكاميرات الحرارية تحول نشاط التهريب إلى الحدود الجنوبية للمملكة، وهذا ما دعانا أكثر للقلق بعد أن خف تهريب الأسلحة، وتم التركيز من قبل المهربين على المخدرات بأنواعها وفي مقدمتها الحشيش، ولكن عملنا في ضبطها متواصل والأرقام تبين مدى جهدنا وعملنا.
وعن قلة الكاميرات الحرارية في الشريط الحدودي والتي وقفنا عليها أرجع اللواء مريع ذلك إلى صعوبة التضاريس حيث لا تجدي الكاميرات نفعا ولا تغطي مساحات واسعة بعكس الطبيعة الجغرافية المفتوحة، ولكننا نملك البدائل في متابعة المهربين. وعن قلة الأفراد أكد اللواء مريع أن هناك وفرة في عدد الأفراد ومع ذلك سيزداد العدد وسيكون لكل مركز ما يقارب من 100 فرد. وبقي السؤال الأهم عن أهمية متابعة مستقبل المواد المهربة؛حيث أجاب اللواء مريع قائلاً: بالفعل يهمنا أكثر أن نتوصل إلى المستقبل فمن الطبيعي أنه لن تكون هناك عمليات تهريب إلا ويكون لها مستقبل أو أكثر داخل المملكة ونعمل مع الأجهزة الأمنية الأخرى في متابعتهم ونعمد أحيانا إلى تمرير بعض عمليات التهريب لنكشف الوجهة التي ستصلها.
وحول علاقة حرس الحدود التحفظية مع وسائل الإعلام، وبالذات بعد ما رأيناه من جهود واسعة، قال اللواء مريع: إن الإعلام شريك مهم وأساسي، ولكننا نتحفظ في الكثير من الأحيان حتى يتم الانتهاء من القضية مع جميع أطرافها، وهذا قد يستغرق وقتا طويلا ووقتها قد لا يكون لها فائدة إعلامية، إلا إن اللواء مريع أكد إن التعاون بين حرس الحدود والإعلام سيشهد في قادم الأيام تطورا واسعا ومهما.
وفي ختام الجولة أبان اللواء مريع عسيري قائد حرس الحدود بمنطقة عسير المكلف تشرفه بالمشاركة في ملف ترسيم الحدود منذ توقيع مذكرة التفاهم بين البلدين الشقيقين في 27 - 9 - 1415هـ مروراً بترسيم الحدود وتشييد العلامات وتسليم المواقع. وقال: سأظل ما حييت أذكر بكل اعتزاز مواقف مولاي خادم الحرمين الشريفين الذي كان له الدور الريادي والسياسي لإنهاء هذا الملف وتوقيع معاهدة جدة الشهيرة، ويأتي بعده دور رجل الأمن الأول سمو سيدي وزير الداخلية وسمو نائبه وسمو مساعده الذين كانوا يتابعون أعمال اللجان خطوة بخطوة، ثم يأتي دور معالي مدير عام حرس الحدود الفريق ركن طلال العنقاوي الذي كان رئيسا لبعض اللجان وعضواً في بعضها والتي شهدت ترسيم الحدود، ثم جاء مكملاً دوره بإمداد حرس الحدود بكل تقنية لفرض السيطرة على الحدود.
جولة «الجزيرة» على الشريط الحدودي انتهت بتحية حب وفخر لجميع رجال حرس الحدود ومن يقف خلفهم على جهودهم المتواصلة والتي تؤكد أنهم مفخرة وان أمننا بعد -الله - في أيد أمينة بما يحفظ الوطن والمواطن من كل سوء.
من الجولة الحدودية:
* ترحيب حار من القيادات الأمنية في عسير ب«الجزيرة».
* أغلب المهربين من اليمن ومن الأفارقة.
* طول الشريط الحدودي 150كم وبعد الانتهاء من السفلتة والإنارة سيصبح الطريق الجديد 93كم.
* شاهدنا الكثير من المواقع والقرى اليمنية.
* قص الجبال أسهم كثيرا في قلة التهريب والمتسللين بسبب صعوبة صعودها.
* الأسلاك الشائكة كانت أيضا وسيلة للحد من التهريب.
* يوميا هناك أكثر من 45 دورية وأكثر من 135 فرد على هذا الشريط.
* تعطلت إحدى السيارات التي كانت معنا ولم تستطع صعود إحدى المرتفعات إلا بعد محاولات متكررة فيما أخذت - وقتها - القيادات الأمنية استراحة وصورا للذكرى.
* الاتصالات الحديثة تسهم بشكل مباشر في مواجهة عمليات التهريب.
* كثرة الأسواق الحدودية أيضا تسهم في عمليات التهريب.
* تواجد سكاني بين الحدود وبالقرب من الشريط الحدودي.
* وقت تواجدنا على الشريط كانت شبكة الجوال على جوالاتنا السعودية هي شبكات يمنية.
* شاهد الفريق عمل الكاميرات الحرارية وحالات قبض سابقة.
* الانتهاء من الطريق الجديد سيسهم في انخفاض التهريب بنسبة 80%.
* أحد الضباط من حرس الحدود قال إن: ثلاثة أفراد من حرس الحدود تمكنوا من السيطرة على حمولة 80 شخصا وتم القبض على خمسة منهم وهرب الباقون.
* المقدم سعيد المهجري من حرس الحدود وافانا بمعلومات مهمة لجهود حرس الحدود للعام الماضي.