انتهج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سياسة الإصلاح منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد. الإصلاح والتغيير هما سنة الحياة، فالكون يتغير من حولنا، والأفكار تتجدد والحاجات باتت مختلفة عما كانت عليه في السابق. الثبات والجمود يقودان المجتمع إلى مراكز خلفية في تراتيب التطور العالمي.
أحادية التفكير، وضيق الأفق، والخوف من التغيير ليست من صفات المؤمن المتوكل على الله، والساعي إلى نشر الإسلام، وتطبيق العدالة الربانية، وإعمار الأرض. كما أن التغيير نحو الأفضل، وبما يخدم مصالح الأمة، لا يمكن أن يكون انتقاصاً لمراحل سابقة. التعامل مع الواقع المتجدد يحتاج إلى استمرارية التغيير وتجديد البناء، وهو ما كان واضحاً جلياً في قرارات التغيير الأخيرة.
الإصلاح يقود إلى البناء وليس الهدم، ولا يمكن أن يُرفع البنيان على أساسات ضعيفة لا تقوى على حمله، أو أساسات لا ترتبط مباشرة بهيكله الجديد. والإصلاح يحتاج دائماً إلى بيئة متناغمة مترابطة فيما بينها في كل ما له علاقة بالمجتمع، وبوزارات وهيئات الدولة. ترى كم من خطط الإصلاح الأحادية توقفت، أو فشلت لاصطدامها بجهات لم تقتنع بسلامة رؤيتها المستقبلية فعمدت إلى تعطيلها، ما أضر بمصالح المسلمين؟.
من فضل الله وبركته، أن يستمد الإصلاح، وبناء المستقبل قوته من روح الإسلام الحنيف، وأن تشيد أساساته على الأصول الشرعية، وأن تبنى إستراتيجيته على تمازج الأفكار التقليدية الثابتة، والأفكار العصرية المتطورة التي لا تتعارض مع الدين الحنيف، للوصول إلى الأنموذج الأمثل للتعامل مع متطلبات العصر، وتطلعات المستقبل.
التنظيم الجديد للقضاء، من وجهة نظر خاصة، ربما كان الأهم في عملية التغيير، وهو التنظيم الذي يمكن أن تبنى عليه جميع الإصلاحات المستقبلية. (تطوير القضاء) كانت الجملة التي ترددت على أفواه كل من تحدث للإعلام، من الوزراء، العلماء، والمختصين، يوم أمس الأول. تطوير القضاء لا يعني التنازل عن الثوابت -والعياذ بالله- بل يعني إعادة تشكيله بطريقة تتناسب مع متطلبات العصر الحديث، وبما يكفل ضمان تحقيق العدالة.
فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع، المستشار في الديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء، عقب على التغيير الذي طال هيئة كبار العلماء بقوله: (إن الأفق الفقهي الواسع لهيئة كبار العلماء في تشكيلها الجديد يطرح الأمل في أن يكون لها مواقف أكثر إيجابية فيما يتعلق بأمور هذه البلاد وبالشعور نحو آلام المسلمين عامة).
فضيلة الشيخ إبراهيم بن شايع الحقيل أكد على أن أو ل خطواته ستوجه نحو إنجاز: (مشروع تطوير القضاء بأسرع وقت).
فضيلة الشيخ الدكتور محمد العيسى، وزير العدل، أكد على أن (تركيزه في الفترة المقبلة يتمحور حول التنفيذ الفوري للنظام القضائي)، وهو ولا شك مشروع ضخم تبناه الملك عبدالله وخصص له ميزانية ضخمة قدرت بسبعة مليارات ريال، لما لهذا المشروع من أثر على جميع قطاعات الدولة.
إعادة هيكلة القضاء في المملكة، وإنشاء المحاكم الابتدائية، الاستئناف، والمحكمة العليا إضافة تشكيل دوائر (محاكم) جديدة متخصصة ضمن المحاكم الابتدائية كالمحكمة التجارية، والعمالية سيكون لها أكبر الأثر في الجانب الاقتصادي خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية.
فضيلة الشيخ فيصل الفوزان، القاضي بمحكمة الجبيل، استخدم تعبيراً غاية في البلاغة تعليقاً على التنظيم الجديد للقضاء حين قال في (أحدية الفردوس): (نظام القضاء الحالي يحقق العدالة للجميع، ولكن التنظيم الجديد أكثر تحقيقاً للعدالة)، وأضاف: (القضاء مستقل، والقضاة مستقلون أيضاً إلا أن التنظيم الجديد، وفصل الصلاحيات وجهات الاختصاص ستكرس مبدأ الاستقلالية وتجعله أكثر وضوحاً بإذن الله). الشيخ فيصل الفوزان تحدث بتفاؤل كبير حيال مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، وتعمق مفصلاً جوانب التنظيم القضائي الجديد واختصاصاته، خاصة فيما يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، وديوان المظالم، والقضاء بوجه عام، موضحاً الكثير من الجوانب القضائية والفقهية المهمة.
تطوير القضاء بما يكفل الإحاطة التامة بشؤون المال والاستثمار من خلال محاكم متخصصة يساعد كثيراً في سياسة الانفتاح، ودعم الاقتصاد، وتحقيق أهداف التنمية التي لن يكتب لها النجاح بمعزل عن القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية. ولعل هذا ما يفسر اهتمام الإعلام الغربي الكبير بالتعديلات الوزارية، والتقسيمات الإدارية الأخيرة.
الاهتمام بقرارات الملك عبدالله الإصلاحية ذات العلاقة بتحديث وتطوير الأداء الحكومي يمكن رؤيته جلياً في الأوساط الشعبية التي تفاعلت معها ورحبت واستبشرت بتحقيقها الخير للبلاد والعباد. نبارك للوزراء وأعضاء مجلس الشورى مناصبهم الجديدة، وندعو الله لهم التوفيق والسداد، ونذكرهم بأن الأولوية يجب أن تكون لخدمة المواطن الذي ما زال يربط بين كل تغيير وزاري جديد وبين حصوله على حقوقه المشروعة كاملة غير منقوصة.
* * *
F.albuainain@hotmail.com