Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/02/2009 G Issue 13291
الثلاثاء 22 صفر 1430   العدد  13291
إلى الأستاذ الجامعي: عُد إلى جامعتك
عبدالرحمن بن محمد الأنصاري

 

تمتاز مهنة التدريس، بأنها من المهن القليلة التي لا يجد صاحبها الغضاضة، أو الإحساس بمركب النقص، بعودته إليها، بعد خروجه من مناصب أعلى وأرفع شأناً من مهنة التدريس.. فعلى سبيل المثال، فإنّ رئيس الدولة ومن بعده الوزير، لن يجد أيّ منهما أية معرّة في العودة إلى مدرجات ...

جامعته أستاذا، بعد خروجه من المنصب الرئاسي أو الوزاري المرموق، بعكس الكثير من المهن الأخرى، التي قد يرى الكثيرون أنّ عودتهم إليها، بعد تبوئهم لما هو أرفع منها شأنا من قبيل (الحَوْرِ بعد الكوْرِ) الوارد الاستعاذة منه!.. ومن هنا فإنّ منصب أستاذ الجامعة هو - في نظري - أرفع شأنا ومكانةً، مما سواه من المناصب الدنيوية الأخرى، حتى وإن كان دون بعضها بالنسبة لنظرة عامة الناس، أو بالنسبة للمقابل الماديّ، فالمادة ليست هي كلّ شيء كما يُقال، ومع كل ذلك فإنّ في بلادنا الحبيبة (المملكة العربية السعودية) فيما يخص بعض أساتذة الجامعات، ما يكاد يرقى إلى (الظاهرة) وهي: انقياد واستسلام (بعض) أساتذة جامعاتنا إلى قبول أي إغراء عَرْض يأتيه من أية جهة من الجهات، خارج الجامعة، سواء أكانت حكومية أو غير حكومية، مع أنّ دوافع الكثير من تلك الجهات التي تستقطب أولئك الأساتذة، فتحرم الطلاب من علمهم، قد لا يكون وراءه، شيء ذو بال سوى الانخداع باللقب العلمي الذي يشير إليه حرف (الدال) المسبوق به اسم ذلك الدكتور أو إن شئت قل: المشجع بالمزايا الجديدة التي ستهطل عليه من خلال المنصب الجديد بمجرد خروجه من بوابة جامعته! وإني لا أنكر هنا حقيقة كون الكثيرين من أساتذة الجامعات الذين ينساقون وراء تلك الإغراءات، التي تحملهم على تركهم لطلابهم وبحوثهم والجو العلمي الجامعي الذي ألفوه، وقبولهم العمل لدى جهات أخرى، إمّا تحت غطاء (الإعارة) أو (الندب) أو ما يشاكلهما، أنّ وراء ذلك لدى بعضهم، ظروف الحاجة القاهرة التي قد تضطر المرء في الكثير من الحالات، إلى فعل ما لا يريد، والشرب في ما يعاف من الآنية، والقبول بما كان سيرفضه في حال السَّعَة.. وهو ما يضع الجامعات والجهات المخططة للتعليم في موضع الاتهام، بتقصيرها في تأمين الحياة الكريمة التي تليق بأصحاب أشرف وأجل المهن وهم أساتذة الجامعات، ومن في حكمهم من المعلمين والتربويين.

وقد لا أعدم من سيتصدى للدفاع عن الجامعات في دفع التهمة عنها بالتفريط في منسوبيها من الأساتذة والدكاترة، الذين تتنازل عنهم لأية جهة تغريهم بميزات لا يجدونها في جامعاتهم.. فيقول لي: إن ذلك السّخاء من الجامعات بأساتذتها، لهو من صميم رسالة الجامعة، في خدمتها المجتمع والتفاعل معه بتيسير وتسهيل نقل خبرات أساتذتها إلى مجتمعهم بإعارة خدماتهم إلى تلك الجهات التي تطلبهم للعمل لديها.. فالإجابة على ذلك الجواب هي: أنّ ذلك المبرر إن صدق على شخص أو اثنين من أساتذة الجامعات، فإنّ من المحال انسحابه على عامتهم، بدليل الواقع والمعايشة والمشاهدة.. فكم من أستاذ جامعة، ترك جامعته بذريعة (الإعارة) للعمل في جهة من الجهات التي عقدت آمالاً على لقبه العلمي، فإذا الواقع المرّ يقول: إنّ صغار العاملين في ذلك الجهاز الذي قدم عليه، هم أكثر نفعا وفائدة منهم للجهاز منه، لكونهم قد استوعبوا عمله بفعل الممارسة، التي يفتقر إليها القادم الجديد، بغض النظر عن مسمى لقبه العلمي ودرجة ذلك اللقب.

فاليقين وإن كان مقنعاً لأصحاب القرار، بأنّ إدارة أبناء الجهاز الإداري لجهازهم أفضل بمراحل من إدارة وافدٍ جديد عليه، لا شفيع له سوى حرف دال، لم يمارس تطبيقاته، إلاّ من خلال النظريات، التي يسقط الكثير منها عند التطبيق.. ولكن أنّى لزامر الحيّ أن يُطرب..؟!

هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإنّ التجربة أفادتنا بأن ذلك السخاء من الجامعة، بالأستاذ الذي أعارته، فإن ذلك قد تم دون تقدير ومعرفة الخسائر والأضرار التي تحل بالجامعة بسبب تشتيتها لأساتذتها الذين تتنازل عنهم لكل من يطلبهم، وما يحلّ بالطلاب الذين خسروا أستاذهم الذي هجرهم وهاجر عنهم.. بل وما يحلّ بذلك الأستاذ نفسه، بسبب بعده - ولو مؤقتا - عن جامعته والجو العلمي بطلابه ومحاضراته وبحوثه، وانخراطه في أجواء ونشاطات وظيفية قد لا تكون صلة أو شبه روابط بينها وبين الأجواء العلمية والمعرفية التي ألفها وألفته في الجامعة! إنني أتطلع مع كل متطلع إلى تصحيح ذلك، الذي أصبح شبه ظاهرة كما سبقت الإشارة، الناشئ عن تفريط الجامعات في منسوبيها بإعارتهم للجهات التي تُغريهم بما يفتقرون إليه في جامعاتهم، أتطلع إلى أن يصبح الحديث عن ذلك الحال من أحاديث الأمس الغابر، وبخاصة ونحن نشهد اليوم هذا العدد (الكمي والنوعي) من الجامعات التي تنشأ يوما بعد آخر في بلادنا، فتلك الجامعات لن تقوم إلاّ على أكتاف الأساتذة الجامعيين، الذين يجري الآن التفريط فيهم، بسبب قبولهم للعروض المغرية.. فإذا كان (جحا هو أولى بلحم كبشه) كما يقول المثل - الذي أُجري عليه بعض التعديل - فإنّ الجامعة هي الأولى بأستاذها من غيرها.. ولكن لكي تكون الأولوية للجامعة بأستاذها، فإنّ عليها أن تُحسّن من أوضاعه وأن تحرص على أن لا يطلب عند غيرها، ما لا يجده عندها، فالهجرة من الوطن - كما هو معلوم - لا تكون إلاّ من فرْط الضرورة، ووطء الحاجة..!!

مستشار إعلامي / وزارة الداخلية


alansari1@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد