في الوقت الذي تحتفل فيه إيران هذه الأيام بمرور ثلاثين عاماً على قيام الثورة وتولي السلطة في البلاد، إلا أن المتابع لعلاقة إيران مع الدول العربية، وخاصة - دول الخليج العربي - يجزم بأن إيران اليوم هي ذاتها إيران الأمس.
فالأهداف لم تتغير وإن تغيرت الآليات، من أجل تنفيذ مخططاتها وطموحاتها الفارسية وغير المشروعة في المنطقة، وتحقيق أطماعها التوسعية، وإثارة وتأجيج النعرات العرقية والمذهبية والتي كانت سبباً في مشكلات إقليمية. وهو ما يؤكده أكاديمي غربي - متخصص في الشؤون الدولية - يدعى (باري روبان)، حيث يقول: (إن إيران تعمد إلى بسط نفوذها من خلال ثلاث أدوات رئيسية، هي: الدعاية والتحريض، ودعم الجماعات العميلة لإيران، وتخريب قوة الدولة المستهدفة).
وبينما كنا نعقد الأمل في أن تتخلى إيران عن لغة الترهيب والتخويف الذي تغلب على الخطاب الإيراني، واحترام سيادة الدول الخليجية وخياراتها الاستراتيجية. إذا بنا نفاجأ بتصريح رئيس التفتيش العام في مكتب قائد الثورة - حجة الإسلام - (علي أكبر ناطق نوري)، خلال الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإيرانية، والتي تطرق فيها إلى تبعية البحرين لإيران واصفاً إياها، بأنها: (كانت في الأساس المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة، وكان يمثلها نائب في مجلس الشورى الوطني). وأذكر جيداً أن مستشار مرشد الثورة الإيرانية، ورئيس تحرير صحيفة (كيهان) الإيرانية (حسين شريعتمداري)، كتب مقالاً جاء فيه، أن: (البحرين كانت جزءاً من الأراضي الإيرانية، وخسرتها إيران جراء صفقة غير قانونية بين الشاه البائد وبين الحكومتين الأمريكية والبريطانية أدت إلى انفصالها عن إيران. وأن المطلب الأساسي للشعب البحريني حالياً هو إعادة هذه المحافظة التي تم فصلها عن إيران إلى الوطن الأم والأصلي، أي: إيران الإسلامية). هذه التصريحات وغيرها كثير هي نفس التصريحات التي أعلنت إيران - حينذاك - إلحاق البحرين بالتقسيمات الإدارية لإيران، معتبرة إياها المحافظة الرابعة عشرة، وكان ذلك في 11-11-1957م.
مثل هذه التصريحات هي جزء من مخطط إيراني مقصود، وحلقة من حلقاته لبث رسالة إلى دول المنطقة، مفادها: أن إيران تسعى لتثبيت نفسها كقوة إقليمية كبرى، وإعادة بث الروح في مشروعها لزعامة المنطقة، والسيطرة على دول منطقة الخليج العربي من خلال تحكمها في الممر البحري الرئيسي للنفط في العالم، إضافة إلى تدخلها السافر في شؤون بلدانه وأقلياته.
وتجمع الدوائر السياسية في دول الخليج العربي، على أن سياسات المشروع الامبراطوري الإيراني الجديد تستهدفها أكثر من الدول العربية الأخرى. بل يشير خبراء عرب وغربيون إلى أن الكثيرين من القادة والوزراء العرب يشعرون بالفزع من انطلاق محاولات التغلغل الإيراني من المقولات التعريفية القديمة التي تنادي بإيجاد (إيران الكبرى). فالتصريحات الإيرانية حول البحرين لا تزال تتردد بين سياسة التهديد وسياسة التهدئة، ولا يتورع بعضهم عن الإساءة المباشرة حول نظم الحكم في دول الخليج العربي واعتبارها سبب أزمات المنطقة، وعلى صعيد ملف الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية في الخليج العربي لا تزال (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى) تحت الاحتلال، إضافة إلى تمكنها من إيجاد موطئ قدم لها داخل البلاد السنية لاختراق مجتمعاتها في عدة جيوب لتصبح فيما بعد أذرعاً إيرانية فاعلة تتيح لها فرصة التدخل سواء في الشؤون الخليجية أو الشؤون العربية.
أما في العراق فقد حصدت إيران مكاسب استراتيجية كبرى من الحرب على العراق، لعل من أهمها بعد سقوط نظام صدام حسين، هو: خروج العراق من المعادلة الجيوستراتيجية في المنطقة لصالح إيران، وسيطرتها بشكل كامل على العراق. وهو ما أكده - عضو البرلمان العراقي - عن القائمة العراقية السيد إياد جمال الدين، من أن: (الوضع في العراق أصعب من أن يوصف، وذكر ذات مرة أن الاحتلال الإيراني هناك يمتد ولا يقف. وتستطيع أن تشعر به ولا تشير له كالحب والكراهية. نرى آثار الاحتلال الإيراني ولا تمكن ملاحظة تأثيره، فهو يدرك ولا يوصف. وقد يكذبنا البعض، لكن أكرر أن هذا الاحتلال يدرك ولا يوصف).
ومما يثير قلق الساسة العرب تجاه إيران، هو: الجسارة الإيرانية في فرض الهيمنة بأساليب ناعمة لتنفيذ مخططاتها. فقد جاء في صحيفة (الحياة) العدد (16735)، أن أساليب الهيمنة الناعمة في الدول العربية تشمل:
- زرع خلايا شيعية نائمة وفاعلة في البلدان العربية، وإغداق الهدايا والزيارات على الصحفيين والكتاب، ونشر الكتب والمجلات.
- الاستقطاب المكثف من خلال القنوات الفضائية.
- فتح المراكز الثقافية والمعاهد التعليمية الدينية، واستمالة رجال الطرق الصوفية، وإنشاء المكتبات والمدارس الابتدائية والمتوسطة، وتشجيع قيام جمعيات الصداقة - الإيرانية العربية.
- استخدام القدرات الاقتصادية والتجارية للتغلغل في النشاط الاستثماري، وتوفير آلاف فرص العمل للمواطنين، والسخاء في إتاحة المنح التعليمية.
- التأثير من خلال سياسات شراء الذمم وغسل الأدمغة والتغلغل في أجهزة الإعلام باستغلال العاطفة الجماعية للشعوب تجاه القضايا العربية والإسلامية، والتسلل إلى الأنظمة التعليمية العربية من خلال استقدام أساتذة ومحاضرين جامعيين من دول توجد فيها أقليات شيعية، مثلما حدث في الجزائر والمغرب.
إن الرسالة المهمة التي أريد إيصالها في نهاية المقال، هي: أن قوة إيران تكمن في ضعف الدول العربية، وكلما انسحبت الدول العربية عن الساحة والتأثير فيها فإن إيران ستقوم بملئه ولا شك. كما أن قراءة مثل هذه المواقف والسياسات بهدوء وعقلانية، والتحذير من خطورة الدور الإيراني، والنظر إلى مصالحنا وأمننا عن طريق وضع سياسات ملموسة للوقوف بوجه التغلغل الإيراني في المنطقة العربية وأطماعها التوسعية أمور في غاية الأهمية.
drsasq@gmail.com