تمر المملكة العربية السعودية بجملة إصلاحات وتغيّرات وزارية ومؤسساتية أقواها وأشملها وأوسعها على الإطلاق المراسم الملكية التي صدرت أول هذا الأسبوع، ومع أن بعض هذه التغيّرات فرضها الزمن وساق إليها تبدل الأحوال وتغيّر الظروف، إلا أن الكثير منها جاء نتيجة طبيعية لما يتمتع به خادم الحرمين الشريفين - وفّقه الله - من رؤية ثاقبة وعقل متقد ومعرفة دقيقة لمفاصيل البناء الحضاري المرتقب، وجاءت هذه القرارات استجابة عقلية واعية لمتطلبات المرحلة وتفاعلات الواقع، ومع إسداء جزيل الشكر والتقدير لمن كانوا يشغلون هذه المناصب الوزارية والمؤسساتية والدعاء لهم بالتوفيق في مستقبل حياتهم الخاصة، مع ذكر من سبق بالخير ينتظر المواطن من الوزراء الجدد ونوابهم ومن هم على المرتبة الممتازة وأعضاء مجلس الشورى ينتظر ويتمنى من هؤلاء جميعاً تحقيق تطلعات وطموحات ولاة الأمر - حفظهم الله ورعاهم - وبذل كل الوسع لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وجزماً لم يصل هؤلاء المعينون إلى سدة هذا المكان أو ذاك لولا توفيق الله أولاً ثم ثقة ولي الأمر التي هي نتيجة طبيعية لما قدموه وسطروه في سجل العطاء الوطني المتميز خلال مسيرتهم العملية، ومع أنني مثل غيري كثير متفائلون بأن يكون من جراء هذا التغير تسريع عجلة التنمية وتصحيح حركة النهضة والبناء المتوازن في المناطق المتباينة والقطاعات المختلفة القضائية والتعليمية والصحية والإدارية والشورية إلا أن هذا التفاؤل يجب أن يوافقه عمل مشترك وتبادل للآراء وتذكير لبعضنا البعض ومن خلف ذلك الدعاء لهم بالتوفيق والسداد، والراصد والمتابع لما يقوله الناس في مجالسهم وعبر منتدياتهم يلحظ أن هناك توقعات عدة نتيجة هذه التغيرات الوزارية أهمها ما يلي:
- سيكون للمرأة السعودية فرص وظيفية أكبر خاصة في مجال التربية والتعليم فتعيين أول نائبة لوزير التربية والتعليم لتعليم البنات يعد في نظر الكثير حدثاً تاريخياً في مسيرة البناء التعليمي في بلادنا المملكة العربية السعودية، ومن المتوقّع أن يتبعه ضمناً إسناد إدارات التربية والتعليم لتعليم البنات في مناطق المملكة للكفاءات النسائية إن وجدت، كما يستلزم ذلك إعادة هيكلة الإدارات العامة للتربية والتعليم. وقد سبق أن سطرت في هذه الزاوية تصوراً متكاملاً مقترحاً لهذه الإدارات عنونته ب(معالي مدير التربية والتعليم) واقترحت أن يكون هناك ممثل واحد لمعالي وزير التربية والتعليم يمنح كامل الصلاحية في منطقته التعليمية ويتابع ويحاسب، يتبعه خمسة وكلاء منهم وكيلة معالي مدير التربية والتعليم لتعليم البنات.. كما طالبت بإعادة قراءة الدمج قراءة واعية جديدة. ومن باب الحديث عمّا أعرف فإنني أعتقد أن التربية والتعليم ستشهد إعادة ترتيب بيتها من الداخل وهذا قد يتطلب إمعان النظر في كثير من البرامج والقرارات التي كانت في فترة سابقة في طور البناء والتمحيص ثم غض الطرف عنها لقناعة شخصية بعدم مناسبتها أو لكون الوقت غير ملائم لتطبيقها أو ما إلى ذلك، كما أن هناك الكثير من رجال التربية والتعليم والقيادات الإدارية التي كانت تحتضنها الوزارة تسربوا إلى مؤسسات حكومية وخاصة لسبب أو لآخر، ومن باب التصحيح يتوقّع السؤال عن المتميز منهم وإعادته إلى الوزارة من جديد وذلك من أجل إعادة الروح التربوية لهذا الكيان العزيز الذي يشرف المواطن الصادق بالانتماء له، وسيركز وبشكل كبير على برنامج الملك عبد الله بن عبد العزيز للتطوير الذي ما زال في خطواته الأولى في ظن الكثير.
- ستكون الفتوى التي تصدر من هيئة كبار العلماء أكثر عالمية واستجابة لمتطلبات وقضايا العصر، وسيعاد فتح باب الاجتهاد الفقهي من جديد وكذا مطارحة القضايا المعاصرة المشكل والتي ما زالت معلقة.
- ستتغير آلية العمل في الهيئات وربما كان التركيز على الأمر بالمعروف قبل التوجه إلى النهي عن المنكر وربما كان المبدأ الذي ذكّر به فضيلة الرئيس الجديد (الأصل إحسان الظن بالجميع) مؤشراً قوياً على احتمالية التوجه نحو تهدئة الأمور ومعالجة نقاط التماس مع الأشخاص والمؤسسات التي كانت في السابق بحكمة وروية وربما ركّزت الهيئات في أيامها الأولى على الدراسات والمراجعات للتأصيل ومعرفة التفاصيل.
- أما الشورى ففي ظل الصلاحيات المحدودة والمقرة سلفاً فربما وإن تغير الرئيس وتجددت الدماء سيبقى الحال على ما كان إلا إذا صدرت لوائح ونظم تعزّز دور المجلس وتمنحه مساحة أوسع من المشاركة في قضايا المجتمع الناجزة والمتنوعة.
- جزماً ستشهد السلطة القضائية (المجلس الأعلى للقضاء) وكذا المحاكم الإدارية (ديوان المظالم) ووزارة العدل نقله نوعية شاملة سواء في آلية العمل أو الإعداد لمنسوبيها أو مقارها و... ستكون نقطة الانطلاق مشروع الملك عبد الله وفّقه الله المعروف، إضافة إلى ذلك هناك الكثير من التوقعات أتركها لحينها، ودمت عزيزاً يا وطني.