كثيراً ما حوصرت المدن الخليجية التي رافقت الطفرة النفطية بتهمة المؤقت والطارئ، وترجع هذه التصنيفات إلى كون العمران الحضري فيها جاء بصورة مطردة وسريعة، مع شبه انقطاع عن تواتر التجمع العمراني الذي كانت عليه في السابق، كون الخطط التي رافقت الطفرة كانت تسعى إلى استثمار المداخيل النفطية إلى حدها الأقصى بشكل سريع ومطرد يسعى إلى تأسيس البنية التحتية للمدن من دخل ريعي لسلعة قابلة للنضوب.
لكن من منظور آخر برزت الكثير من الاتهامات تدور في مجملها عن حضور البنيان وغياب الإنسان في الفضاء المدني. حيث الإنسان في هذه المدن يعيش اغتراباً داخلياً بين الشوارع المعبدة والأبنية الشاهقة، مع اختلاس لكثير من معالم الذاكرة المدنية العريقة، فلم يستطيع من يقطنها تكوين علاقة دائمة راسخة مع مرافق المدينة وتجمعاتها البشرية، كون هذه المدن لاهثة دوماً وراء التبدل والتغيير في كل يوم.
لذا هذا التغير والتبدل المطرد لم يكن ودوداً مع البيئة، فعلى الكثير من المستويات جرى انتهاك للكثير من المظاهر البيئية سواء ما يتعلق بالمكان أو الأحياء النباتية والحيوانية، داخل بيئة صحراوية شحيحة في مواردها.
ولعل الاستراتيجية التي أعلن عنها مؤخراً من قبل اللجنة العليا للحفاظ على البيئة في مدينة الرياض (والتي يندرج هدفها العام تحت المحافظة مع استثمار المجال العمراني والبيئي في مدينة الرياض)، تستحق التوقف عندها والإشادة ببرامجها وخططها كونها تسعى إلى تغطية جميع الجوانب التي من الممكن أن تعيق خطوات الرياض نحو مستقبل حضري ومتجذر وطويل المدى فهي من ناحية: كونها حددت مقاييس وأهداف برنامج جودة الهواء التي سيبدأ بها هذا العام، (لاسيما أن أرقام مرض الربو في المملكة تشكل معدلات عالية في العالم إن لم تكن هي الأعلى).
وفي نفس المجال سيسعدنا أن مدينة الرياض تحصل الآن على 46 برنامجاً بيئياً موزعة على خمسة محاور تشمل:
- التلوث
- النفايات
- موارد المياه
- الموارد الطبيعية والمناطق المفتوحة والحياة الفطرية.
- البيئة المفتوحة.
ومع هذا الاختصار المخل الذي تحتمه مساحة المقال نجد أن ما سبق هي عناوين لبرامج متميزة تشرف بنا على مشهد الرياض التي لا تكتفي بالمباني والشوارع المعبدة كمظهر لحداثتها بل تجاوزته إلى مدينة متحضرة ودودة مع البيئة، وقادرة على أن تؤسس علاقات حميمة بين سكانها وبين المكان.