Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/02/2009 G Issue 13289
الأحد 20 صفر 1430   العدد  13289
هل جبلنا على المبالغة في حياتنا؟!
محمد أحمد الشدي

 

هي فكرة تلوح في خاطري منذ فترة طويلة أبادر اليوم بطرحها وهي من منطلق النقد الذاتي!

- والفكرة أن هذه البلاد العربية وخصوصاً الخليجية بعد أن رزق الله أهلها المال الوفير والعيش الرغيد أخذوا يلعبون بالمال بشكل مريع،

بل إنهم يبددونه كما يحلو لهم حسب الأهواء والشهوات. هل تصدقون أحدهم ممن طاله العوز وندرة العيش في الماضي ومارس مهنة الغوص وكثيراً من المهن المرهقة ثم وفق مؤخراً في بيع سلعة استهلاكية مطلوبة أخذت تجري في أيدي الناس بسرعة البرق الخاطف أو مثل (النار في الهشيم) كما يقولون وتكدست الأموال بين يديه أخذ يصرف ببذخ ظاهر لم ينفقها فيما ينفعه في دنياه وآخرته ولم يسع إلى مساعدة فقراء بلاده التي يعيش فيها اليوم بل (دلع نفسه) بشكل واضح وهذا من حقه وأخذ يرتب لنفسه رحلات قنص خرافية وأسطورية وأخذ يصطحب معه مئات الناس كمرافقين ودعك من عشرات السيارات التي تستعمل لمرة واحدة وعشرات طيور القنص التي لا تقل قيمة الواحد منها عن خمسمائة ألف ريال. يطلقها في عنان السماء وقد يذهب هذا الطير ولا يعود. وهناك مئات الخدم والعمال من لا يخاف الفقر لنصب الخيام وإنارة محطة كهرباء كاملة وجلب الحطب والماء، كل ذلك يتم تقليداً للكبار من الأمراء والشيوخ يقوم بتلك الرحلات في كل عام مع الأصدقاء كل ذلك من (أجل وناسة) الشيخ ويأتي صوت سعادته مرة يقول إنني أصرف في كل عام على المقناص ما يقرب من خمسة ملايين ربما دولار! من أجل تعديل المزاج واستعادة اللياقة البدنية والشهرة العريضة، بل إن أحدهم من أحد البلدان العربية في السنوات الأخيرة دأب على إقامة احتفالات باذخة للمتعة الشخصية بمشورة من يعمل معه والأخير هو بلا شك على فائدة معنوية تخلق له الشهرة المطلوبة أين ما ذهب!

- لقد بدأ برنامجاً كبيراً لتلميع الذات وأخذ يدعو في كل عام أكثر من ألف مدعو من الشخصيات العالمية حتى يشار له بالبنان وصدق أخونا الفرية بعلمه ومشيخته وأخذ ذلك المسرف على نفسه يبعزق مال الله في هذا الوهم، وهو لا يرى غمزات وهمسات الناس من حوله وإنكارهم له على ما يفعل، لقد رفعه ذلك المستشار المنقذ له من الإهمال والضياع بين كراتين البضائع والغبار إلى عالم الشهرة والأضواء دفعه إلى عالم بلا نهاية فهل يدوم له هذا العز المزيف وهل يدوم له هذا المستشار الذي يصنع له كل شيء من فائض هذا المال السائب الذي وجده بين يديه؟! إنه يدعو أعداداً مهولة من كل مكان حتى من بلاد الواق واق!! وينثر عليهم الهبات ويطوف بهم بين منتجعات الدنيا ثم ماذا بعد ذلك لا شيء! أما بلادنا الإسلامية والعربية وفقراؤها فلها الله.. ولا أعتقد أن مثل هذا المبذر الذي يلعب بمال الله قد شاهد تلك المرأة المصرية وقد رفعت طفلها في إحدى القنوات التلفزيونية وقالت من يتصدق على هذا الطفل بقطرة حليب أو كسرة خبز. فوالله العظيم إنني لا أجد ما أطعمه أو أنه لم يسمع عن المسحوقين في لبنان بعد تلك الحرب المفتعلة ولا حتى سمع بأهل غزة بعد الحصار!

ومثل هذا النموذج في بلادنا العربية كثير وهناك من دفعه ماله إلى سكة الإجرام والعياذ بالله! كما نرى ونسمع هذه الأيام!

- ليس لدي ما أقوله كمواطن عربي لأمثال هؤلاء الأشخاص الذين رزقهم الله المال، ولم يعرفوا حق الله في هذا المال.. وعليه فإنني أدعو حكوماتنا الأخذ على أيدي مثل هذه النوعية، وأن ترشدهم إلى الإنفاق المشروع. وقد أمرنا الله سبحانه بأن نأخذ على أيدي السفهاء ووصف كل مسرف ومبذر بأنهم إخوان الشياطين. إن على هذه الحكومات والعلماء في خليجنا مناصحة هؤلاء بالقول الطيب وبأن يؤخذ ما زاد من أموال لديهم لدفعه إلى من يستحقه من فقراء الأمة في أي مكان في دنيا العرب والمسلمين.

- لابد أن نعرف أن من أخذ مالاً ليس له حطمه ذلك المال طال الزمان أو قصر أن الأمر مشاهد عل مر العصور والأيام، والأمور ظاهرة أمامنا على مستوى الدول والأفراد، ولن أذكر الأسماء فهي أمامكم حية تجول في دنيا الله الواسعة إن المال وسيلة سخرها الله للإنسان للعيش الكريم وليس لتبذيره واللعب به بكل الوسائل بل قوة لنا نستعمله لهذه الحياة! وذلك دفعاً لكل مصيبة قد تحل علينا جمعياً. إن هذا الخليج في خطر شديد وقد سلطت عليه الأضواء من كل صوب ونحن منشغلون مع الأسهم وتربية الأموال والصراعات فيما بيننا على توافه الأشياء وصغائر الأمور.

- إنني أدعو عقلاء الأمة إلى أن يكون لهم مجلس وقول ورأي يساعدون فيه أصحاب القرارات في هذه البلدان المستهدفة نريد ذلك قبل فوات الأوان. إن عليكم خطراً عظيماً فيما يفعله السفهاء بهذه الأموال التي بين أيديكم ومعظم الناس من حولكم جياع. إن عليكم اليوم خطر غزو يعم الصغير والكبير! خطر غزو أو سموه ما تريدون تتاراً أو مغولاً أو فرساً. ادفعوا عنكم وبلدانكم الشرور بزكوات أموالكم والتصدق على فقراء الإسلام. أوقفوا السفهاء عن هذا العبث بالأموال الخاصة والعامة والاستيلاء على الأراضي التي هي ملك الأمة جمعاء أوقفوا ذلك قبل أن يوقفكم الزمن الجبار الذي لا يرحم. أوقفوا ذلك العبث في كل شيء في المآدب واستهلاك الحيوانات بالذبح المبالغ فيه والملابس والكماليات. ثم لنأخذ التبذير في مادة غذائية واحدة هي الأرز، بلادنا الخليجية تستهلك منه أكثر مما تستهلكه الهند وأمريكا والصين مجتمعة.. وعلى هذا فقس في جميع أمورنا الحياتية من سيارات ومساكن وفرش. هل تصدقون أن مدينة خليجية واحدة بها عشرون ألف مطعم. إذن أين ربات البيوت كيف انقلب الحال بهذا الشكل وانظر نتاج الشباب وأجسامهم وعقولهم مع هذه الأغذية الفاسدة المستوردة ثم انظر في الجانب الآخر كيف تستهلك المرأة والشباب من العطور في هذه البلدان ثلاثة مليارات دولار سنوياً ترش به الغتر والشعور المهفهفة، ولا نصنع منه قطرة واحدة!

- ثم تعالوا للسفرات والسياحة الخارجية يراق عليها سنوياً الشيء المهول من الأخلاق والأموال، وقد بلغت المليارات التي لن تعود حتما ويقال إن أهل الخليج وحدهم يكبون سنوياً على السياحة و(الصرمحة) أكثر من خمسين ملياراً من الدولارات. لماذا للتمشي والفرجة. يا سلام إن تبذيركم سوف تبكون عليه غداً.... لقد حصل مرة أن دعا أحد رجال الأعمال الصغار شخصية حصيفة على العشاء، وقد ذبح له عشرين من الإبل ومائتين من الغنم، وحول سيارة نصف نقل إلى مبخرة وأوقد النار فيها وأخذ يدور بها على موقع الاحتفال، فلما وصل الضيف وشاهد هذا العبث والتجاوز والمبالغة أقسم أن لا يجلس على مائدة هذا العابث المسرف وغادر المكان.

ماذا أصابنا ما هذا البطر؟! يا أهل الخليج هل هي الشبعة بعد الجوع! الذي تعرفونه يوم أن كنتم تأكلون الجراد والجرابيع والضبان والسباع... عودوا إلى رشدكم قبل أن تحل عليكم عقوبة من السماء وانظروا إلى أهل إفريقيا كيف يعيشون في تلك الديار من الفقر والأسى وتصدقوا واحفظوا مال الله الذي أتاكم واضربوا على أيدي سفهائكم ارشدوهم أولاً وانصحوهم من خلال كل وسيلة إعلامية ومنبرية وحافظوا على سمعة كل عربي ومسلم، وتذكروا تلك الدول التي سادت ثم بادت: أين الدولة الأموية وأين الأندلس الباذخ، وأين الدولة العباسية العظيمة التي بلغت من القوة والرفاهية كل مبلغ وما تعرفونه هو أكثر مما أعرف عن بقية الأمم التي مرت في التاريخ وأكثر ما محقها وعجل بسقوطها هو المال السائب والتماهن في كثير من الواجبات. كما نشاهد الآن بداية تخلخل الامبراطورية الأمريكية بسبب المال الذي أصبح في أيد غير أمينة.. أقول ذلك للتذكير المخلص وما ذكرته هو مجرد نماذج مما يحصل على أرض الواقع في هذا البلد أو ذاك!

- أدركوا بلدانكم قبل أن يحل عليكم ما حل على أولئك.. وهذا النداء موجه إلى الحكومات في هذه البلدان، وهي إن شاء الله فيها الخير، وكذلك مجتمعاتنا والأفراد في هذه البلاد العربية المسلمة وخصوصاً الخليجية التي تمر بفعل استمرار التآمر عليها من كل حدب وصوب بعدم توازن وخوف من الحاضر والمجهول الذي قد يأتي به المستقبل.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد