Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/02/2009 G Issue 13289
الأحد 20 صفر 1430   العدد  13289
اما بعد
الفضل لفيصل الذي أفهمني ..
عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

 

ذكر معروف الدواليبي في (مذكراته) أن ديجول قال للملك فيصل: يتحدث الناس أنكم يا جلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل في البحر، وإسرائيل هذه أصبحت أمراً واقعاً، ولا يقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع.

أجاب الملك فيصل: يا فخامة الرئيس أنا أستغرب كلامك هذا، إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، وكل فرنسا استسلمت إلا أنت، انسحبت مع الجيش الإنجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلَّبت عليه، فلا أنت رضخت للأمر الواقع، ولا شعبك رضخ، فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع، والويل يا فخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول: أن الاحتلال إذا أصبح واقعا فقد أصبح مشروعاً..

يقول معروف: دهش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركّزة بهذا الشكل، فغيّر ديجول لهجته وقال: يا جلالة الملك: يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي، وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك.

أجاب الملك فيصل: فخامة الرئيس أنا معجب بك، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدّس، أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر غزاة فاتحين، حرقوا المدن، وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، فكيف تقول إن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون، وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة، فلماذا لا تعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط !؟، أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود، ولا نصلحها لمصلحة روما !؟، ونحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها.

قال ديجول: ولكنهم يقولون إن أباهم وُلِد فيها!؟.

أجاب الفيصل: غريب ! عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس، وأكثر السفراء يولد لهم أطفال في باريس، فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء يطالبونك بحق الولادة في باريس، فمسكينة باريس ! لا أدري لمن ستكون !؟.

سكت ديجول وضرب الجرس مستدعيا (بمبيدو) وقال: الآن فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السلاح المصدّر لإسرائيل، وصار يردد دائما (الفضل لفيصل الذي أفهمني حقيقة قضية فلسطين).

الملك فيصل قامة شامخة في تاريخ المملكة العربية السعودية، تميز برؤى موفقة، وكلام بليغ، ومواقف حازمة صارمة، هو سليل قادة جعلوا قضية فلسطين في أولوية اهتماماتهم، عني بقضية فلسطين بالعمل الصادق، لا بمجرد الكلام والانفعال، كما عني بها الملك المؤسس عبد العزيز -رحمه الله- ومن خلفه من أبنائه الكرام.

ومواقف المملكة العربية السعودية من قضية فلسطين مواقف مشهودة معروفة، ليست بحاجة إلى تسويق أو إعلان، إنها مواقف سطّرها التاريخ، ويشهد بها المنصفون العقلاء، أمّا أصحاب العقول المضطربة المؤدلجة ضد المملكة، فليست بذات قيمة، سواء جحدت مواقف المملكة أو تذكّرتها وذُكِّرتها، الأمر سيان، فأمثال هؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة إن تحدثوا أو صمتوا، لأن مواقف المملكة في مضامينها أكبر وأعمق من أن يدركها هؤلاء الذين لا يجيدون سوى إثارة العواطف بالخطب الجوفاء الرنانة، واللعب عليها وإلهائها.



Ab_moa@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد