Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/02/2009 G Issue 13286
الخميس 17 صفر 1430   العدد  13286
أنت لست بحاجة إلى كلمات
فيليس جونسون

 

نحن الآن نصحب سيدة عجوزاً لكي تقابل ابنتها، إنه مشهد متكرر الحدوث ولكن في وقت الظهيرة، وتحت حر الشمس القائظة، وعبر مساحة شاسعة من خيام اللاجئين البيضاء في حقل من الصخور المسحوقة. حملت معها كل ما تملكه من حطام الدنيا. لم تكن تحمل الكثير، كان كل ما تملكه يمكن أن يوضع داخل إحدى حقائب القمامة السوداء، ساعدناها على ركوب الشاحنة المرتفعة التي كانت تستخدم لأغراض القيادة في الأراضي الترابية غير الممهدة وقدناها نحو أسوار المعسكر. كان هدف الرحلة هو لم شمل الأم وابنتها. كانت هناك أوراق يجب أن نملأها وتصريحات يجب أن نحصل عليها لنقل أحد اللاجئين من معسكر إلى معسكر آخر وبينما وقفنا عند بوابة المعسكر بدا واضحا من وجه رجال شرطة (مقدونيا) أن أوراقنا لم ترق لهم كما لم ترق لهم حقيقة أننا لم نكن نملك نسخة ثانية من الأوراق لكي نتركها لهم. لم يكن قد سبق وطلبوا نسخة من الأوراق ومع ذلك فقد طلبوا نسخة في هذه المرة تحديدا ولكننا لم نكن نحمل نسخة أخرى. وبينما كان (باسم) صديقنا المترجم يتولى مهمة التفاوض معهم شردت السيدة العجوز ببصرها إلى الخارج حيث كان هناك رجال يصيحون ويلوحون بأيديهم، امتلأت عيناها بالدموع وغطت وجهها بيديها. كانت تتوقع في أي لحظة أن ينقض عليها أحدهم ويخبرها بأنه غير مسموح لها بالرحيل. كان الخوف من عدم رؤية ابنتها حية ثانية فوق طاقتها على الاحتمال. أخذت تتمتم بصوت منخفض كسير في نفسها، سمعتها بالكاد وهي تذكر كلمة (الله) وأخذت تكررها مراراً وتكراراً.

وأخيراً تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين وسمحوا لنا بالمغادرة على وعد بإحضار الأوراق في اليوم التالي تنفسنا جميعاً الصعداء وبينما كنا نقود في الطريق المتعرج غير الممهد ونعلو ونهبط بالسيارة فوق منحنياته مررنا بحقول من الخشخاش وبنات الحسك البنفسجي ومررنا بجوار العربات التي تجرها الخيول. ولكن الأهم من هذا كله هو أننا عرجنا في المرتفعات والجبال التي تحيط بالمعسكر الذي بدا وكأن السحب تحيط به.

بدا من الواضح أن المرأة كانت قد ارتدت أفضل ثيابها استعداداً للقاء. كانت ترتدي تنورة وتضع على رأسها غطاء رمادياً..كانت إحدى صديقاتها أهدتها إياه..

توقفنا عند ينبوع ماء للحصول على بعض الماء وفي أثناء خروج الرجال من الشاحنة بدأت تقص علي ما حدث لها، لم يكن بوسعي فهم كلمة واحدة مما قالته ولكن رغبتها في التواصل كانت قوية إلى الحد الذي جعلها تسعى لشرح كل ما تقوله من خلال الحركات. خلعت أحد جواربها وأشارت إلى حروق كبيرة في قدمها.

عندما فتح باب المعسكر انهمرت الدموع ولكنها هذه المرة بدت مختلفة فعندما اقتربت الابنة من الشاحنة كانت المشاعر قد استحوذت على الأم. وعندما احتضنت الأم ابنتها تبادلا القبلات وتلمست كل منهما وجه الأخرى وكأنما تريد كل واحدة أن تتأكد من أنها لا تحلم. كانت قد هربتا من (كوسوفا) ولم تكن أي منهما تعلم إن كانت الأخرى مازالت على قيد الحياة.

أجزلوا لنا الشكر ودعوا لنا الله أن يحمينا من كل سوء. أجبناهما بأننا سعداء لأننا تمكنا من تقديم العون لهما وكنا بالفعل كذلك. هذه هي اللحظات التي تجعل الخيام الساخنة والشمس القائظة والطعام الغريب والفرش المضنية تستحق كل هذا العناء، كنا قد أتممنا مهمتنا. لقد كان هذا هو سبب وجودنا في هذا المكان.

مداواة جراح وألم الحرب من خلال التواصل.

كان لم الشمل هو غايتنا.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد