تزامن إعلان القائمة الأخيرة للمطلوبين أمنيا، مع ما نشرته وسائل الإعلام حول القبض على المرأة العراقية والتي كانت تطلق على نفسها اسم (أم المؤمنين)، والمنتمية إلى أحدى تنظيمات القاعدة في بلاد الرافدين، والتي كانت بدورها تجند الفتيات حولها لينتهي بهن الأمر وحزام المتفجرت يلتف حولهن كانتحاريات.
هذا بالطبع يحيلنا إلى أن التنظيم قد التقط أنفاسه بعد ما ترنح أثر ضربات أمنية محكمة، وبدأت الخلايا التي تستقطب الشباب والشابات تعاود عملها ميدانيا مخترقة الطوق الأمني المضروب حول هذا النوع من الأنشطة.
وقد استوقفني الدور الذي كانت تلعبه من تطلق على نفسها (أم المؤمنين) التي كانت تغطس عرضها بقداسة البعد الديني وحاجة النفس البشرية في صراعها اليومي لطوق نجاة، لتجند ضحاياها كقربان بسيط وساذج وعاجز من أن يستوعب البعد السياسي والاستراتيجي لعمل التنظيم.
المفارقة هنا تبرز النظرة الدونية المزدوجة التي يحملها التنظيم للمرأة عموما عبر عدد من الأمور أهمها:
1- غياب البعد الإنساني وأرضية الشهامة والمروءة داخل التنظيم من خلال استغلال الظرف النفسي والعقلي والاجتماعي للانتحاريات ليسوقهن كرصاصة طائشة في معركة طويلة المدى.
2- تناسي التنظيم هنا المواقف المتزمتة والمتحجرة التي يحملها ويروج لها عادة ضد المرأة من ناحية عملها واختلاطها بالرجال, أو انخراطها في العمل الحزبي والسياسي ونشاطها على المستوى الميداني، وجلبها كشاة مستلبة الإرادة بهدف تحقيق أهدافه السياسية.
3- تاريخيا كان للنساء حيزا معروفا ومحددا فوق أرض المعركة، كونهن آسيات مطببات داعمات كقوة لوجستية خلفية، المرأة عبر التاريخ هي صانعة الحياة هي نبع التكاثر والديمومة، ولم تكن يوما ما جالبة للدمار أو الموت، حتى في الأساطير اليونانية القديمة كانت (أثينا) حين تظهر كرمز لقائدة عسكرية، يرافقها وجه آخر يتجلى عبر كونها كطبيبة ومسعفة ومضمدة للجراح. أما صورة المرأة كقنبلة الذي توظفه وتسعى له القاعدة، فهو بالتأكيد أحد الزوايا المتوحشة الظلامية المفرغة من الإنسانية والتي يحملها هذا التنظيم في رؤيته للكون ومحيطه.
4- أخيرا يبدو أن التقسيم العنصري ضد المرأة ومنعها من المشاركة في الفضاء العام على المستوى المحلي انعكس على تحركات التنظيم، (فمن خلال المقارنة بين فرع تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وفرعه في الجزيرة العربية)، و بما أن المرأة العراقية هناك أفسح لها حيز في المشاركة الميدانية على عدة مستويات فأن التنظيم استغل هذا الفسحة ليمرر منها انتحارياته، لكن على الضفة الأخرى محليا عدا بعض المتطرفات ممن يتبنين هذا الفكر ويوارينه تحت واجهات مختلفة (ومنهن صاحبات مراكز رسمية) لم تجند القاعدة في عضويتها امرأة، على اعتبار (ممنوع دخول الحريم) قانون سائد ومفعل ومستتب.
جميع الأبعاد السابقة تحيلنا إلى أن جميع المضامين الدينية الإنسانية والروحانية المتعلقة بالمرأة في تراثنا قد فرغت من محتواها داخل هذا التنظيم ولم يبق هناك سوى قشرة تعكس مشهد امرأة مفترسة تلتهم بناتها.