اتسعت المصائب العربية وتشعبت وكبرت نارها وتطاير شررها وكثر نافخي كيرها وجامعي حطبها والمتحلقين حولها، واستيقظ أهل الفتنة وأهل الجعجعة وأهل الصراخ والعويل والنواح وشق الجيوب وممارسي ذر السماد على الوجوه وفوق الرؤوس، وتجمعوا من كل حدب
ينسلون دولا ودويلات وأحزابا وجماعات لا ثقافة عندهم غير ثقافة العنف والتهميش والسخرية وشق الصف وصب الزيت على النار، كل يوم يمارس هؤلاء الرقص السيركي العبثي منتشين بضربات الدفوف وأهازيج الخطب النارية في مسرحية هزلية يقدمون عليها ويدعون من خلالها إلى تضليل مقصود للأمة لا يريدون من خلاله صالح الأمة وسؤددها وعزتها، بل يريدون تزيين ذواتهم وابتكار محاور جديدة تزيد من عمق الخلافات العربية الهزيلة أصلا، كل من هؤلاء يقول مرددا (أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ...) وكل من هؤلاء يعمل وفق ثقافة تعبوية هزلية لتقاسم الغنائم وتبادل الأوسمة وتوزيع الألقاب والأدوار رغم أنهم يعرفون جيدا أن مسرحياتهم وأشعارهم ورواياتهم وطرقهم البوليسية التي يتقنونها في تذييل وصاياهم المعلنة وغير المعلنة مجردة من العقل ومن الرجاحة ومن الحكمة ومن الحنكة ومن فن الدهاء السياسي، إنني ومن باب المكاشفة وليس التحذير سأعمل بجد إذا ما أتيحت لي الفرصة على تعرية أفعال هؤلاء المندسين خلف شعارات البطولة المزيفة على حساب الدم العربي المسفوح والأرض العربية المحترقة والإنسان العربي البسيط (المضحوك) عليه منذ الأزل، هؤلاء الذين يخلعون ثيابهم ويبدلونها في اليوم أكثر من مرة جاءونا ودخلوا علينا من الأبواب الخلفية خلسة متسربلين بهوس البطولة وزيف الحقيقة يقرؤون علينا بصوت أجش وأحيانا ناعم ذابل وصايا القائد ورسالته الخالدة بألف طريقة (ثعالبيه) وألف طريقة ملتوية وألف طريقة صفراء وألف طريقة رمادية وألف طريقة لا لون لها، إننا إذا كنا في الماضي نعيش بحذر وخيفة وخشية من العدو الإسرائيلي الصهيوني الواحد المرئي والمعروف والبائن أمامنا، فإننا اليوم نعيش نفس الحذر ونفس الخوف ونفس الخشية وربما أشد من بني جلدتنا المولعين بالقيادة وبالكذب وبالبهتان وبتزييف الحقائق على حساب الأمة العربية النازفة بالجروح العميقة والكبيرة والكثيرة، إن مشهد الصراعات العربية المؤلمة وعبر جميع العصور جاءت نتيجة اختلاف المفاهيم والرؤى وعدم تبلورها بسهولة وبيسر من قبل بعض أبنائها (النشاما الغيورين) ومن بعض (الأجانب الثوار الأبطال) الذين قدموا بفكر ايديولوجي فلسفي جديد لكنه (أعوج) بعيدا عن الحقيقة وبشعارات مختلفة غير عقلانية وغير قابلة للتطبيق التي بسببها خسرنا الكثير من الفرص المواتية التي لو تم استغلالها الاستغلال الأمثل لربما تغيرت المعادلة ولربما أصبح لدينا معطيات كثيرة نجابه بها الآخرين وفق عمل جماعي موحد يوصلنا إلى تحقيق أهدافنا بكل سهولة ومن غير تعقيد أو تضحيات دامية جمة، إن هؤلاء بمختلف اتجاهاتهم اليسارية والإسلامية والقومية وتشعب أهدافهم ومصالحهم لم تعد تهمهم دماء الكثر من الأطفال والكثير من الشيوخ والكثير من العجائز بقدر ما يهمهم هذا الوهم الكبير من النرجسية الذاتية فضمائرهم سقطت وكل ما يقولونه ويتشدقون به ما هو إلا تحريف لأسباب الحقيقة رغم بزوغ مفردات الثورة ومفردات الوطن الواحد الكبير، لأنها مفردات لا تخرج إلا من حدود حناجرهم الضيقة وشفاههم اليابسة وليس من عقولهم الباطنة وأفعالهم الواضحة، إنني لا أستطيع أن أمنع هؤلاء من أن يحلموا ويتخيلوا إذا كانت أحلامهم وتخيلاتهم مشروعاً قابلاً للتحقيق، لكنني أطالبهم بأفعال أكثر شرفا وأكثر نبلا وأقدس من كل الأحلام ومن كل التخيلات العبثية التي لا تؤدي إلا لمزيد من الدمار ومزيداً من الهلاك ومزيداً من سفك الدماء البريئة ومزيداً من اليتم والتشرد والضياع الذي عانينا منه طويلا .. طويلا.. طويلا..طويلا.
ranazi@umc.com.sa