لم يكن ذات يوم تعاطي المخدرات وإدمانها من الأمور الرائجة التي يستعصي إيجاد الحلول اللازمة لها والقيام بعمل التحصينات الواقية منها، فلم تأنس مجتمعاتنا العربية وجودها ولا حتى سماع أخبارها.
فقد انحصر حسب علمي الإدمان منذ الأزل بشرب واحتساء الخمر وهو أمر تمت معالجة تحريمه بإرادة إلاهية لا يرتقي لها بشر. أما تلك الآفة المسماة بالمخدرات فلم نستأنس بسماع أخبارها وأخبار تعاطيها وترويجها وصناعتها إلا في عصرنا الحالي.
أضع علامات استفهام كثيرة ومتنوعة عن الدافع الحقيقي والحافز الطبيعي للشخص المتعاطي قبل البدء بعملية تعاطي المخدرات، كما أستغرب الكيفية التي يتم الطلب من متعاطي المخدرات الإقلاع عن هذه العادة المميتة فكيف يستطيع شخص الخلاص من صديقه وحبيبه ولماذا؟ هذا إذا افترضنا أن المتعاطي لا يعي خطورة تعاطيه وأن المخدر سيؤدي به إلى هاوية الجحيم. أما إذا افترضنا أن المتعاطي يعي خطورة تعاطيه المخدر فكيف إذاً يستطيع الخلاص من عدوه وهو جاثم على صدره ومستلق بين أضلعه؟ وما يقال عن المخدرات ينطبق على تاجرها ومروّجها والمحبب لها فهو عدو منا ولنا وبيننا همه الأول كسب المال حتى لو كان على حساب أرواح تزهق وبيوت تخرب وأنفس تهدم.
عادةً ما يكثر متعاطي هذا العدو بين أوساط الطبقات التي تعيش حالات الفقر المدقع أوالغني المبطر، فالطبقات المتوسطة يندر بينها الإدمان، بل هو بين المحبطين وبين الأثرياء جدا. لهذا أبحث دائماً عن المخرج والحلول الواقعية الدائمة، فكما توغّل بيننا هذا العدو يجب الترصد له وطرده بذات الأسلوب والطريقة، علينا تتبع بداياته وأسبابه وبيئاته التي ترعرع فيها وعاش عليها، واستخدامها في طرده ونبذه، فخير وسيلة لطرد العدو هي معرفته ومعرفة الطريق التي دخل عبرها إلينا ومن ثم تسخيرها لإبعاده والتخلص منه.
فالمهمة تقع على الأسوياء ممن لم يبتلوا بهذه الآفة اللعينة لا على متعاطيها، يجب أن نقوم بوضع أيدينا بأيدي رجال مكافحة المخدرات وتعزيز دورهم في محاربة هذه المادة السامة من خلال حملة متكاملة يراعى فيها إشراك الأسرة والمدرسة وإظهار دورهما التربوي، والمسجد وإظهار دوره التوعوي، ووسائل الإعلام وإبراز دورها المؤثر. والمؤسسات العلاجية التي ينبغي أن تلعب دور أكثر فعالية من تقديم العلاج فقط بحيث يجب أن يتم تقديم العلاج المتكامل الديني والدنيوي لمدمني المخدرات. عليها أن تعطي المدمن منهجا للحياة، ليس فترة تنظيف كيميائي وتحليل نفسي فقط.
الأساليب تحتاج تطويرا لتكون براقة ومؤثرة وناجعة، تطويراً وتغييراً في العرض، ودعماً وزيادة في الإمكانيات، لا المضمون، فالحقائق معروفة ومتاحة مجاناً فالحكم الديني والأثر الطبي والاجتماعي للمخدرات معروف سلفاً للكافة، لكن قوة النفس وحشمتها وحكمتها، ورزانة العقل وثبات الشخصية هي العوامل المفقودة أكثر.
dr.aobaid@gmail.com