قبل عام من الآن أو يزيد.. كتبتُ حول زيارتي إلى لبنان، ونقلت صورة مكتوبة عما آلت إليه أوضاعه بسبب الحرب الخارجية، والفتن الداخلية المتتالية التي عصفت به، مع أنه يحمل خاصية التعايش السلمي بين كثير من أتباع الأديان والطوائف المتعددة، ووفقني الله وزرتها بعد عام من زيارتي الأولى بعد استقرار الأوضاع، وكنت أتوقع تحسناً طفيفاً فقط، لحداثة الاستقرار، ولكن الواقع بين غير ذلك، إذ تغير الوجه السابق للبنان، وعادت الحياة إليه.
فقد عدنا إليه بعد انتخاب الرئيس، والاتفاق على مجلس الوزراء، والذي أطلق عليه (حكومة الوحدة الوطنية)، عدنا بعد عودة المياه إلى مجاريها بين لبنان وسوريا، علاقات حسنة، ووعد بالتمثيل الدبلوماسي المتبادل بين البلدين، وبعد فتح جميع الحدود البرية مع سوريا، بعد أن كانت واحدة فقط العام الماضي، عدنا بعد أن انفك اعتصام المعارضة والذي استمر شهوراً طويلة، عدنا بعد أن خبأت الخطابات المؤججة للفتنة، وحلت محلها المؤيدة والداعية للوحدة.
ويظهر الوجه الآخر من الناحية الأمنية كذلك، فكان الليل مخيفاً العام الماضي، مع التحذير من الخروج ليلاً، وإن تم الخروج فعلى شكل مجموعات، ووجوب اصطحاب (جواز السفر) لإبرازه عند نقاط التفتيش المنتشرة، والدوريات الراكبة والراجلة، أما الآن فأصبح الشخص يخرج دون خوف، لأن الحركة الليلية اعتيادية، وقد كانت الفنادق والشقق المعدة للإيجار تشكو، فأصبحت ممتلئة أو تكاد، وقد ارتفعت أسعارها أضعافاً مضاعفة لكثرة السياح، وكانت الأسواق التجارية خاوية على عروشها، فأصبحت ملأى تغص بالمتسوقين، وكانت المناطق السياحية والمتنزهات الترفيهية قليلة الحضور، فأصبح الدخول إليها بالانتظار لازدحامها، وكان السياح العرب والأجانب قليلين، وحتى اللبنانيين في الخارج أحجموا عن زيارة بلدهم، ثم أصبحت تعج بالحركة وكثرة السياح بمختلف جنسياتهم، ولبنانيي الخارج، وكثرة سيارات الخليجيين.
وبعد.. لقد رأيت بلداً كأني أراه لأول مرة، وهذه الصورة أنقلها ليس دعاية للبنان، فهو غني عنها، بدليل استحواذ نصيب الأسد من السياح، خلال إجازة عيد الأضحى المبارك، وإنما عبرة وعظة ودرساً يبين الفرق الواضح بين بلد كانت ثم صارت، بين رؤية العسكريين والمدنيين، بين لغة السلاح ولغة الحوار، بين العاصفة والهدوء، بين الحرب والسلم، بين الاطمئنان وعدمه، وهي دعوة لكي يفكر صاحب القرار في لبنان ما كانت عليه بلادهم وما آلت إليه، ويفكر كل صاحب قرار في أي دولة في تغليب المصلحة العامة على الخاصة، ويفكر كل مصلح كيف يكون طريق الإصلاح ويفكر كل رافض للواقع كيف يكون التغيير.
حفظ الله وطني وأوطان المسلمين.
aljndl@hotmail.com