النفس الأمَّارة بالسوء سهلة الانقياد لوسوسة الشيطان، سريعة الاستجابة للأهواء والنزوات، بعيدة عن التأثر بالموعظة، غافلة عن عواقب الزلل الذي توقع فيه صاحبها، ولهذا كانت أقرب مأخذاً للشيطان وجنوده، وأسرع انحداراً إلى إغوائه وإغرائه.
|
كثير من الناس الذين يستسلمون لهذه النفس الخبيثة يغفلون عن علاقتها بوسوسة شياطين الإنس والجن فيستحسنون ما هو قبيح، ويستصغرون ما هو عظيم، وينساقون وراء ما تزينه لهم هذه النفس من المشاعر والأحاسيس، فينسون أن يقيسوها بمقياس الطاعة والمعصية، والحق والباطل، والخير والشر، ولا ينتبهون إلى وجود ذلك التعاون القوي الخفي بين هذه النفس الأمارة بالسوء وبين الشيطان وأعوانه نعوذ بالله منهم.
|
وخطورة هذه النفس تأتي من جوانب متعددة ولهذا كانت الاستعاذة بالله من شرها مطلباً شرعياً، (اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان الرجيم)، (اللهم آت نفسي تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها).
|
فلربما دخلت على الإنسان من عاطفة الحب القوية فظلت تسول له وتغريه حتى تجعل هذه العاطفة سبباً من أسباب شقائه ووقوعه في الإثم والخطيئة، فإذا استسلم لها استمرأ ما وقع فيه وتعوَّد عليه، وأصبح ارتكاب الإثم عنده أمراً سهلاً، وهنا تكمن خطورة هذه النفس المرتبطة بوسوسة الشيطان، فإذا لم تقابلها ضوابط التقوى، ودوافع التوبة الصادقة، ومراجعة النفس والخوف من الله، ألقت بصاحبها في مهاوي الردى وهو لا يشعر.
|
وكم من محبٍّ وقع في الإثم بسبب هذه النفس الأمّارة بالسوء التي أذاقته متعة الخطيئة العاجلة، وأنسته ألم العقوبة الآجلة، فإذا لم يكن الإنسان على مستوى المواجهة التي تدفعه إلى التوبة والانقطاع عن الإثم واحتمال عذابات البعد عمن يحبُّ، فقد ضاعت حياته وآخرته.
|
ولهذا كانت النفس اللوامة جديرة بمواجهة النفس الأمّارة بالسوء، وذلك حينما نقوِّي تلك النفس اللوامة بالذكر، والدعاء، والاستغفار واستشعار فظاعة العودة إلى الاستسلام للنفس الأمّارة بالسوء.
|
لقد كانت النفس اللوامة الصافية النقية جديرة بأن يقسم بها الله عز وجل في كتابه الكريم في قوله تعالى {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} والمعنى المجمع عليه من المفسرين (لأقسم بيوم القيامة ولأقرم بالنفس اللوامة) وهو قسم لإثبات أمر عظيم ينكره الكافرون ألا وهو يوم المعاد والحساب، والبعث بعد الموت ولهذا جاء بعد القسم قوله تعالى {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ}، وقد قال الحسن البصري عن النفس اللوّامة: إنها النفس التي تلوم صاحبها وتقول له: لماذا فعلت كذا؟ ولماذا قلت كذا؟ ولماذا أكلت كذا؟، فأما الفاجر فيمضي قدماً دون أن يعاتب نفسه على شيء ترتكبه، وأما المؤمن فلا يتوقف عن معاتبتها وكبح جماحها مهما كانت قوة رغبتها، وشدّة ميلها إلى ما لا يُباح، وهو بهذا ينتصر على نفسه الأمّارة بالسوء وعلى وسوسة الشيطان نعوذ بالله منه.
|
|
أرأيتَ أغصاناً تمدُّ ظِلالَها |
للسائرين وما لهنَّ جُذورُ |
|