الرياض - محمد العمرو
مع انقضاء الشهر الأول من هذا العام تتبدى الخطوط العريضة لملامح الائتمان للسنة الجديدة، فالمؤسسات التمويلية من بنوك وشركات تقسيط وتمويل أصبح على عاتقها مسؤولية عظيمة بضبط أنظمة ومعايير الائتمان والتمسك بكل ما يضمن دورة تمويلية وتشغيلية ناجحة تعود بالنفع على كل الأطراف وتصب في نفع الاقتصاد الوطني في النهاية، وذلك للأهمية البالغة لعملية الإقراض والتمويل في دفع عجلة الاقتصاد للطريق السليم أو في سيناريو آخر تهوي به إلى عالم من النكبات والأزمات المالية.
وراقب الجميع بدهشة وتحفُظ ماحدث في الاقتصاد الأمريكي من أزمة في الائتمان العقاري مع العلم بأن اقتصاد أمريكا يؤثر ويضغط على الاقتصاديات العالمية هنا في المملكة يوجد جهاز مصرفي من أقوى الأجهزة المصرفية على مستوى المنطقة حيث تبادر مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لصد كل مايتعرض النظام المالي من مشكلات، نذكر أن المؤسسة (ساما) قامت وعلى صعيد الإقراض الشخصي بتخفيض مدة السداد من 10 سنوات و12 سنة إلى خمس سنوات وذلك لخفض المبالغ التي يمكن أن يحصل عليها المستهلك خوفا من تفاقم السيولة والتضخم حيث ذهب الجميع لأخذ مايمكن أخذه من مال واللحاق بقطار الأسهم الذي رأينا جميعا أين اتَجه بعد ذلك وقد كانت خطوة عظيمة من المؤسسة، ومن عام ألفين وستة للميلاد بدأنا نشاهد انخفاضات متتالية في نسبة الربحية المحتسبة من قبل البنوك حتى وصلت من 6% و5% إلى 3.5% في يومنا الحاضر، مما وفر بيئة تنافسية قوية بين البنوك متأثرةً بتخفيض مؤسسة النقد (ساما) لسعر الريبو الذي يمثل سعر الإقراض للبنوك من قبل المؤسسة من 4% إلى3% إلى 2.5% على أثره انخفضت أسعار الإقراض بين البنوك أو ما يسمى بالسايبور لتسجل تعاملات وصلت حتى 1% لأقل مدَة وسعر الريبو العكسي الذي يمثل سعر الإيداع لدى المؤسسة من قبل البنوك من 2% إلى 1.5% في الآونة الأخيرة وتسعى (ساما) الآن لدعم السيولة في نظام المؤسسات التمويلية والمصرفية هذا مع تنبؤات كبيرة بانخفاض مستويات التضخم خلال الفترة القادمة،
عن التحديات التي تواجه المؤسسات التمويلية بعد الأزمة المالية الحالية أوضح الدكتور محمود سامي رئيس وحدة الدراسات المالية والمصرفية في المعهد المصرفي في مؤسسة النقد (ساما) أنها نفس التحديات اللتي تواجهها هذه النوعية من المؤسسات في جميع دول العالم حيث إن المخاطر أصبحت مرتفعة جدا وأن المعايير الائتمانية التي كانت تطبق بنسبة 80% أصبحت مطلوبة أن تطبق بأكثر من 100%،
كما بيَن خبير الاستثمار الأستاذ محمد حمُودة أن من أهم التحديات التي تواجه هذه المؤسسات في المرحلة المقبلة هي الوعي الكامل للتغيرات الحاصلة للشركات المقترضة منها والمتعاملة معها بنظام التسهيلات ولأن الاقتصاد العالمي بدأ يتغير فمن المؤكد أن يحدث تغير في نشاط هذه الشركات لكن نسبة التغير من قطاع إلى قطاع آخر سيختلف فعلى سبيل المثال ستتأثر شركة من شركات الإسمنت بمقياس معين وشركة من شركات بيع التجزئة كالملابس ستتأثر بمقياس آخر، فكل البنوك والمؤسسات التمويلية في الوقت الحاضر تدرس محافظها وتعيد تقييمها من حيث المخاطر هل هي عالية متوسطة أم منخفضة، فأهم تحد هو التغير مع المستجدَات الاقتصادية ومراقبة المخاطر الائتمانية. أما على المدى الطويل فيهمهم معرفة اتجاه سعر الفائدة في الفترة المقبلة إذ إنني لو استطعت توقع الاتجاه لسعر الفائدة فسيتسنى لي التخطيط المناسب لكن هذه الفترة تكاد تكون ضبابية بعض الشيء إذ لا أحد يعرف متى سيكون الانقلاب في السعر واتجاهه إلى الزيادة.
انعكاس الأزمة على الإقراض في المملكة
وعن ماهية انعكاس الأزمة المالية العالمية على الإقراض في السعودية قال الأستاذ محمد أن كل بنك لديه خطوط تسهيلات لشركات عميلة وهذا البنك يراقب أنشطة الشركات ومخاطرها فإذا مالاحظ على إحدى الشركات انخفاضا معينا في وضعه الائتماني سارع لزيادة السعر عليه لارتفاع المخاطرة معه فهذه من المشكلات كما أن البنك قد يقوم بخفض الحدود الائتمانية لعملاء معينين وحتى النصف إذا ما لاحظ ارتفاعا في نسبة المخاطرة فتخيل أن شركة كانت بحاجة حد ائتماني معين وقمت بخفضه إلى النصف فمن المؤكد أن يتأثر نشاطها،كما أن البنوك لايجب أن تضع بعين الاعتبار القوائم المالية لوحدها لأنها تمثل فترة منصرمة بل عليها معرفة اتجاه دوراتها التشغيلية المستقبليّة، وقال: إن ثقة البنوك المحلية والبنوك الخارجية في بعضها قد تأثرت فقامت بنوك محلية سعودية بخفض مستوى التعامل مع بنوك دولية رأت أنه يوجد مخاطر معها في ظل الأزمة مما أثر على المستورد كما أن حجم التجارة البينية ليس كالسابق فقد تحفظت جهات عالمية على عروض وصفقات معينة لكن هذا الوضع لايشمل كل المنتجات فمنتجات استهلاكية كالسيارات وغيرها ذات قيمة عالية ستحدث فيها انكماشات في حجم المبيعات أما المنتجات الأولية ذات القيمة المنخفضة كالأغذية والدواء فلا أتوقع أن يحدث فيها هذا الانكماش فالعالم لايزال يشتري ويستهلك فيها على غرار المنتجات الكمالية التي تضغط على ميزانية المستهلك فهو إما أنه سيؤجل قرارة أو سيتوجه إلى سوق آخر يجدة أقل سعرا فأستطيع القول: إن التجارة البينية (الدولية) في المنتجات الكمالية فقط سوف تتقلَص،
وعن نتائج انعكاس الأزمة قال الدكتور محمود سامي: (بحمد الله فإن النظام المصرفي السعودي بمافيه من ضوابط وبما فيه من قوة في مؤسسة النقد والتي ترعى الضوابط والأسس وتظهرها في صورة تكون بمنأى عن أي مخاطر في أي نظام مصرفي آخر، فلا نستطيع أن نقول: إنه متأثر بشدة كما هو الوضع في أمريكا وأوربا والشرق الأقصى فالنظام المصرفي السعودي متأثر ولكن بصورة لا تكاد تذكر وبسيطة جدا).
كما أوضح أن الضوابط تحث على معرفة العميل المقترض وهل لديه الملاءة ليسدد ماعليه من التزامات وأن هذه المعرفة هي من أولى الأولويات فتقدير البنوك لعملائها ودراستهم لهم تضع المخاطر في أدنى مستوى لها.
قرارات مؤسسة النقد لدعم السيولة
وعن القرارات التي اتخذتها مؤسسة النقد لدعم السيولة في النظام المصرفي عن طريق تخفيض معدل الفائدة ريبو والريبو العكسي وتأثيرها على عملية الإقراض من ناحية الشركات والأفراد على حد سواء قال الدكتور محمود: إن القرارات التي اتخذت في الفترة الماضية مابعد 1429هـ هي من أهم وأدق القرارات التي اتخذت في منطقة الشرق الأوسط والخليج تحديدا لدعم السيولة ومعالجة التضخم فهي حزمة من الإجراءات في غاية الدقة والوعي التي أصبحت نموذجا يحتذى به في حل أزمات التضخم وكانت النتائج إيجابية في تحكم المؤسسة (ساما) بمستوى السيولة فقد رفعت الأسعار في أوقات وخفضتها في أوقات أخرى بما يتلاءم وحاجة السوق فكانت أدق إجراءات وأخف أثرا على مستوى الخليج، وعن أثرها على أسعار العمولة المحتسبة على الأفراد من قبل البنوك قال: إن المصرفية الإسلامية بتشريعاتها القويمة ستوجد منتجات بأسعار مرضية للغاية وما يتناسب مع خفض تكلفة الأموال على الجهة المقرضة مبينا أنه من الأهمية أن تكون في إطار من الضوابط لأن فكرة الاقتراض هي مبنية على حاجة ما فالقروض الاستهلاكية كأن تنعم بسيارة جديدة أو تشتري أثاثا جديدا لايعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ولايضيف قيمة في المجتمع، فيجب دراسة الحاجة من الاقتراض والموافقة على الحاجات التي تضيف للمجتمع.