المجهر الاقتصادي
الرياض- عبدالله المحيسن
حدد معظم المتداولون في سوق الأسهم شعاراً لهم بعد قناعتهم بعدم جدوى الاستثمارات الطويلة في الأسهم القيادية نتيجة الانخفاضات الحادة في الفترة السابقة التي يرى المحللون للسوق أنها أسهم استثمارية تبخرت ولم تشفع لها التحليلات الفنية في البقاء ولو على أسوأ صورة رسمت لها.
ويرى المحللون أن تحول المتداولون إلى المضاربة أمر فرضه اتجاه السوق، وأبرز ما يميز المضاربة اليومية هو الحذر الشديد والتفاعل مع أي تغير سواء الكمية المتداولة أو السعر فالمضاربة تحتاج إلى المتابعة الدقيقة لأحوال السوق.
وإغفال السهم لبعض الدقائق، قد يؤدي إلى خسائر لا تحمد عقباها، وبالتالي فإنّ الخروج بأي ربح هو أسلم الحلول مهما كان الوقت الذي استغرقه الانتظار؛ فمن المتداولين من يغادر الصالة في ربع الساعة الأولى من التداول ومنهم من ينتظر إلى آخر السوق ليبحث في نهايته عن أقل الخسائر واضعاً في الاعتبار رد كرم ضيافة الصالة محافظاً على رأس المال لترقب فرص الغد.
كل هذا عبارة عن صورة رسمها المتداولون نتيجة ضعف ثقة المتعاملين في سوق الأسهم أو اختبار لوحدات التغير الجديدة التي ضاعفت فرص المضاربة واتجهت بالسوق لهذا الاتجاه
حيث أكد موظفو صالات التداول أن أكثر المتعاملين بسوق الأسهم ينفذون أمر البيع على جميع أسهمهم قبل الخروج من صالات التداول وفي حالات قليلة ينفذ أمر البيع على نصف كمية الأسهم ولم يخف موظفو التداول انزعاجهم من تعديل أوامر البيع والشراء المستمرة ما يعكس قلق المتعاملين نتيجة ضعف الثقة في السوق.
صالات لتداول الأنس وتجاذب الحديث
بينما ذكر موظف تداول في صالة أخرى أن هناك خروجاً يومياً وهناك خروج بعد يومين أو ثلاث، لكنها لا تتجاوز نهاية الأسبوع فأغلب المتعاملين يبيعون مع نهاية تداولات نهاية الأسبوع تحسباً لما قد يحدث من أخبار مؤثرة على الأسهم حيث وصف موظف التداول أن أيام إجازة السوق طويلة نوعاً ما للسوق الذي يستجيب للمتغيرات المؤثرة، خصوصاً أن السوق يرتبط بمؤثرات عديدة منها الأخبار السياسية والاقتصادية وأخبار الشركات، ووضح منفذ عمليات التداول أن عدد المستثمرين في الصالة لا يتعدى 2% وهم أشخاص وضعوا أموالهم في أسهم استثمارية ويأتون لتجاذب أطراف الحديث دون وجود نية البيع لديهم، وختم الموظف قوله بأن ما يحدث في هذه الصالة قد لا يعمم على بقية الصالات..
أحد المتداولين الذين هجروا الأسهم الاستثمارية سألناه عن أي الاتجاهين أصح الاستثمار أو التداول، فأجاب أن الاستثمار يحتاج إلى مقومات الأمان المفقودة في الفترة الحالية لكثرة ما يدور حول تأثير الأزمة العالمية على المدى البعيد واستقرار السوق لا يبنى على تخمين أو توقعات ومادام أن هناك شكاً فالسوق لن يستقر.
أسباب مسايرة الموج
وقال المتداول محمد عباد: إن ضياع فرص الربح أقل ألماً من ضياع رأس المال، فيما بين عبد العزيز السلمان أحد أقدم المتعاملين في سوق الأسهم حسب قوله أن السوق كالموج في كل يوم له اتجاه وعلى المضارب الجيد أن يساير تيار الأسهم على أي اتجاه فحالة السوق الحالية تدعو إلى المضاربة السريعة وأرجع ذلك إلى أمور عدة في السوق أبرزها عدم عدالة السوق فعند حالات التصحيح تهبط جميع الأسهم حتى التي لم تحقق ارتفاعات سابقة مما يضاعف خسارة الأسهم التي حافظت على أسعار متوازنة قبل حالة التصحيح لتعود الأسهم المرتفعة إلى أسعارها الحقيقة وتهبط معها جميع الأسهم الأخرى ليتحقق المثل الشعبي: (الشر يعم والخير يخص).
يأس وخروج يومي
وقال أبو عبدالله أحد المتداولين: إن خروج المضاربين اليومي من السوق نتيجة الخسائر الكبيرة التي وقعت على غالبية السوق حيث لجأ المتداولون إلى الخروج اليومي لتقليص خسائرهم في محاولة لمغادرة الأسهم والعودة إلى استثماراتهم السابقة؛ لأن هناك مجموعة تركوا نشاطاتهم السابقة واتجهوا لسوق الأسهم وعندما أرادوا العودة وجدوا أنهم متورطون وخروج المتداولين اليومي من السوق لا يحتاج منا لتأكيد فأي متابع للسوق يلاحظ الارتفاعات الكبيرة غير المبررة واتجاهات المضاربين للأسهم قليلة رأس المال ظاهر على شاشات التداول، فيما أبدى أبو عبدالله انزعاجه من عوائد الأسهم الاستثمارية التي لا تشكل أي عائد استثماري مقارنة بالأسهم الاستثمارية في دول أوروبا حيث ذكر قصة أناس خالطهم في أوروبا قبل 25 سنة ممن أودعوا الأموال التي حصلوا عليها بعد تقاعدهم في أسهم استثمارية وتحول لهم أرباح تلك الشركات بصفة دورية، وذكر شخصاً يعرفه هناك ليس له دخل إلا ما يحول على حسابه من أرباح الأسهم و اعتبر أن هذ ه الأرباح مرضية وتقوم بكافة متطلباته اليومية وعلل حالة الأسهم الاستثمارية بأن أسواقنا ناشئة ولا تقارن مع الأسواق الأوربية التي تعرف الأسهم قبلنا بأزمنة طويلة، وذكر أن الأسواق الناشئة لا تبحث عن الربح بقدر ما تبحث عن توسعات الشركات فالأرباح تذهب إلى التوسع وزيادة تعميق الشركة في الأسواق المحلية والخارجية.
وأرجع الهديرس الخروج اليومي إلى يأس المتداولين من الارتفاع والتخوف من انخفاضات أكبر وضعف ثقة المتداولين وأيضا إلى توفر تقنيات المضاربة بين المتداولين فالبرامج التي تعين على المضاربة سهلة ومتوفرة في أكثر المواقع المتخصصة وهي التي جعلت المتداولين يأمنون جانب المضاربة في أغلب حالات السوق واقتصار المتعاملين في سوق الأسهم على المتخصصين في الفترة الحالية بعد تلاشي عامة الناس عن السوق جعل حركات المضاربة تأخذ اتجاه الحذر، وتابع الهديرس بقوله: يواجه منفذو العمليات في الصالات حالة استنفار في الدقائق الأخيرة قبل إغلاق السوق مما يشهد واقع السوق في الفترة الحالية.
أسعار الاكتتابات ودورها في الثقة
وقال أيضاً: عندما نرى أسعار الاكتتاب الآن نجد تغيراً كبيراً في أسعارها السوقية وبعض التغيرات ربما تعتبر منطقية مقارنة بالتغيرات الحادة التي حدثت لأرباح العام المنصرم أو التوقعات المستقبلية، ولكن هناك انخفاض في بعض الأسهم وصل بعضها إلى أقل من القيمة الاسمية على الرغم من أن هذه الأسهم توزع عائدات نقدية سنوية وهذا يؤثر سلباً في ثقة المتداولين والمستثمرين في السوق، وهناك أسعار أيضاً سلبية في السوق تتجاوز سوق التداول إلى السوق الأولية من حيث قناعة المتداولين في قطاع الأسهم في الوقت الحالي، وأعتقد الخبير الاقتصادي أن ما يحدث من انخفاضات حادة في أسعار الأسهم لن تكون سبباً رئيساً لانعكاسات انعدام الثقة في السوق السعودية وإلا لن يقوم أي مستثمر ببيع أسهمه بأقل من سعرها الأساسي في الوقت الذي توزع فيه عائدات نقدية.
المضاربات ودورها في صناعة السوق
ويظهر هذا حتى في بعض صناديق المؤسسات الحكومية التي بدأت في بناء مراكز اعتماد على العوائد السنوية وانخفاض الأسعار في الوقت الحالي وهناك استثمارات طويلة المدى في صناديق أخرى ترى أن السوق وصلت إلى مرحلة متدنية وتحقق لها فرص طيبة في تحقيق الأرباح المستقبلية، وهناك جانب آخر وهو المضاربي الصرف وهذه المضاربة لا يعتقد أنها صحية في الوقت الحالي؛ لأن كثيراً من المضاربين الخاسرين يحاولون أن يعوضون خسائرهم من خلال المضاربة السريعة، وإذا كان البعض يتحرج من فتح السوق خوفاً من الأموال الساخنة فالأموال الساخنة هي موجودة في السوق حالياً وتعود ملكيتها لمواطنين بدلاً من فتح السوق لأجانب فهناك الكثير من المضاربين يتعاملون في السوق وفق استراتيجية الأموال الساخنة (التي تدخل لرفع الأسعار وتحقق الأرباح، ثم تتخلص من الأسهم وتخرج من السوق في فترة زمنية بسيطة) مثل هذه العمليات تؤثر في السوق في الوقت الحالي وتؤثر مستقبلاً وتعمق نقص الثقة فيه.
ورأى اقتصاديون أن الأموال الساخنة لا تهدف إلى صناعة السوق وهناك فارق كبير بين المضاربة الصحية التي تهدف إلى صناعة السوق وبين المضاربة السيئة التي تهدف إلى تدمير السوق؛ المضاربة الصحية هي التي تكسب المتداولين الثقة وتشيع بين المتداولين المحافظة على رتم السوق في اتجاه معين وتوازن منطقي واستمرارية هذه الأموال المضاربية في السوق أما الأمر السلبي فهو دخول أموال لرفع أسهم محددة ثم تحقيق أرباح والخروج من السوق وترك هذه الأسهم تواجه مصيرها المحتوم وهذه هي المضاربة السلية.