Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/02/2009 G Issue 13281
السبت 12 صفر 1430   العدد  13281
علاج التضخم المصطنع!

 

عبد السلام محمود القرعاني

كثيراً ما يكون العلاج مكروها، والدواء طعمه غير مستساغ، ولكن الهدف، وهو الشفاء، أعظم واكبر مما يجعل المكروه مرغوبا في بعض الأحيان. مع أني لا زلت أري في الخليج نموذجا متفردا في تركيبته السكانية وتشكيلته الاقتصادية. فالمقيمون غير مطالبين بدفع أي ضرائب على الدخول كما أنهم غير ملزمين بإنفاق ما تم تحصيله داخل المنطقة، ولهذا نجد أن الاستنزاف المستمر للقوة المالية لا نهاية له. هذا كله، إذا ما قورنت الأتعاب أو قيمة الخدمة المقدمة له، بما يقوم به من عمل لكان الفرد منا في غاية الدهشة خصوصا إذا ما حسبت تكلفة الوافد الحقيقية وليس هذا مقام بحثها، عدا عن مقارنة ذلك بما يتقاضاه فيما لو كان في بلاده.

ومع المشهد الواقعي والمسجل من قبل جميع المحللين الماليين من تدني عوائد الشركات والقطاعات الصناعية ذات الأثر المباشر على الناتج المحلي مع تفاقم واضح لبطالة حملة الشهادات من المواطنين في منطقة الخليج، نجد أن الوافدين إلى المنطقة، على مختلف مستوياتهم المهنية سواء أكانوا أطباء أو مهندسين أو فنيين في ورش صناعية أو مدعين للحرف أو من لم يدعوا، نجدهم جميعا يغالون في رفع أجورهم على الرغم من أن الاقتصاد العالمي ونحن جزء منه في حقيقته على سلم ركود جزئي، كما أن نسبة البطالة بينهم في ادني مستوياتها؛ وكأن لديهم دائرة تنظيم أعمال خاصة بهم. فما تفسير هذا الوضع؟؟

لا شك أن التضخم يعني الارتفاع العام في الأسعار ويمكن أن يعني الانخفاض في القوة الشرائية في العملة. بينما يعرف الركود الجزئي أو البطء في النشاط الاقتصادي (الانكماش) بأنه الانخفاض غير الكبير في إجمالي الناتج المحلي (Recessions) وعلى الرغم من أن وجود تعريف واضح بين كل من (Depression AND Recession) غير متوافر بشكل كامل إلا أن recession يكون الانخفاض في إجمالي الناتج المحلي في حدوده الدنيا بينما قد يصل في مرحلة Depression إلى 20 أو 30%. ومن قبيل الدعابة نجد أن الغربيين يفرقون بين Rece. وDepre. فيقولون إذا علمت أن جارك أصبح من غير عمل فإن ذلك Rece. أما إذا أصبحت أنت من غير عمل فاعلم أنك في مرحلة Depression. وفي وضعنا فإن الوافدين مع الإشكالات الاقتصادية الحالية يعيشون حالة recession بينما يعيش المواطن الذي يقطن نفس الرقعة الجغرافية حالة Depression مما يجعل الوضع أكثر تعقيدا. وعادة فإن الإجراءات المتخذة في كلتا المرحلتين من التشجيع على الإقراض وتخفيض في الضرائب هي المعمول بها، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك في مرحلة تكون أرصدة البنوك الاحتياطية في أدنى مستوياتها، كما أن الإقراض البيني البنكي في أضيق حدوده، وعلى الرغم من أن التأكيدات المستمرة من مؤسسة النقد بأن معدل الفائدة وصل إلى قرابة الصفر، نجد أن ما يتحمله الفرد العادي المستفيد من التسهيلات البنكية من فوائد يتجاوز هذه الأرقام أضعافا مضاعفة. ولهذا فإن مرحلة الإنفاق للأسر والأفراد سوف تتجه إلى الترشيد التلقائي تحسبا لان ما سوف يصرف لن يعود. وعلى الرغم من كل هذا الحرص على ترشيد الإنفاق الأسري إلا أن إغراق السوق بالأصناف الرديئة وغير المعمرة والمضرة أحيانا تجعل مصروفات الأسر تقفز بشكل غير مسبوق على مصاريف الاستبدال والعلاج، وما يصاحب ذلك من تكدس غير مسبوق في كميات نفايات المنازل التي في مجملها سوف تؤثر على البيئة، ثم في حلقة متتابعة ترهق ميزانية الأسرة بشكل كبير، مما سيصل بها في نهاية كل شهر إلى مرحلة الإفلاس. وما مشاهداتنا اليومية من نمو متزايد في افتتاح أسواق للسلع الاستهلاكية والمستوردات، علما بأن ما انفق فيها هو من مدخرات المواطنين أنفسهم في اغلب الأحيان من خلال الشركات المساهمة المنشأة لهذا الغرض ما هو إلا تعميق لهذه المشكلة. ومما يجعل منطقتنا مختلفة عن العالم الخارجي أيضاً على الرغم من كل الدلائل التي تؤكد ارتباط الاقتصاد العالمي بعضه ببعض، هو الاستمرار التصاعدي في أسعار كثير من السلع؛ وهو ما اسميه التضخم المصطنع؛ فيما عدا تأثر أسعار النفط المباشر بالأزمات المالية العالمية، الذي سيؤثر سلبا على المشروعات العامة التي تحت الإنشاء مما قد ينتج عنه عجوزات جديدة في الميزانيات أو استهلاك للاحتياطيات. وعلى الرغم من كل ذلك نجد أن عنصر العمل الأجنبي في منطقة الخليج قد اختار لنفسه مسارا وسياسة خاصة به غير آبهة بما تواجهه الاقتصاديات المحلية أو الفردية من إشكالات، معتمدا على الطلب المستمر على منتجاته وخدماته نتيجة للاندفاع غير المنظم نحو صناعة معينة، مما ينتج عنه عدم الربط بين السعر والتكلفة. فكيف يمكننا أن نخرج من هذا المأزق؟

الضرائب إحدى وسائل القضاء على التضخم المصطنع

تعرف الضرائب بأنها كل ما تفرضه الدولة من استحقاقات مالية على الأنشطة أو الدخول أو المنتجات، فإذا طبقت الاستحقاقات على دخل المنشآت والأفراد فإنها تعرف بالضرائب المباشرة، أما إذا حملت على الأفراد بإضافة نسب معينة على السلع والخدمات فإنها تعرف بالضرائب غير المباشرة ويدخل فيها الرسوم والغرامات. واستنادا إلى وجهة النظر المتمثلة في تفرد الاقتصاد الخليجي بالظروف الخاصة به والناتجة أساسا من مشكلتين: الأولى وتتمثل في عناصر الإنتاج، والثانية ناشئة من معدل الكفاءة، فاني هنا سوف أركز على الضرائب المباشرة ذلك أن المواطن لم يعد بمقدوره تحمل أي أعباء إضافية نتيجة لما يعانيه من تعثر في ادخاراته واستثماراته الحالية والمستقبلية في الوقت الذي يواجهه من أسعار غير منطقية على السلع والخدمات، مما نشأ عنه تشكيلة جديدة من الطبقات الاجتماعية المبنية على القدرة المالية. وعلى هذا الأساس فإن استخدام الضرائب كأحد أساليب دعم المواطن سوف تنجح في دعم توظيف المواطنين كما ستوثر بشكل فاعل في القضاء على التضخم الصوري في أسعار السلع والخدمات وتوزيع اعدل للموارد المالية. ومما يجعل من هذه المعالجة ذات جدوى هو تفرد مجتمعنا بما يحيطه من الظروف والمعطيات إلى الحد الذي يجعل من ضريبة الدخل على أصحاب الدخول العالية وعلى العاملين غير الخليجيين ضرورة للحد من تضخيم الركود لكي يبدو على هيئة تضخم. وتفسير ذلك هو أن الأعمال التجارية والمهنية الخاصة يجب أن تخضع لضرائب الدخل التصاعدية بحيث تؤدي هدفين : الأول: الحد التلقائي من المبالغة في رفع أسعار الخدمات والسلع، لأن ما سوف يحصل عليه مقدم السلعة أو الخدمة من إيرادات غير منطقية سوف لن يستفيد منها. الثاني: التعرف على سعر التكلفة مما ينتج عنه تعرف دقيق على مؤشرات أسعار السلع والخدمات ومرتبات المهن وأجورها، مما يتطلب من التجار وأصحاب المهن إمساك دفاتر محاسبية غير تقليدية مترابطة وذات رقابة ارتباطية ذاتية للوقوف على أصل التكلفة.

واني إذ أرى أهمية فرض ضرائب الدخل على المنشآت التجارية والمهنية وجميع القطاعات التي توظف أجانب وكذا الأفراد الأجانب الذين يعملون لحسابهم، أرى أهمية تخصيص عوائد تلك الضرائب لتكون في صناديق المجالس البلدية للأحياء لتنفق على تطوير الأحياء وإعادة نسبة من مصروفات المواطن الذي يقدم فواتير احتياجه إلى الخدمات عن طريق إنشاء مراكز محاسبة أهلية في كل حي لتنفيذ هذه البرامج المالية.

محاسب قانوني ومستشار إداري



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد