«الجزيرة» - عبدالله البراك
كشفت دراسة قدمها موقع السي.إن.إن نفذتها مؤسسة (إرنست ويونغ) بالتعاون مع شركة أكسفورد أناليتيكا للاستشارات عن المخاطر التي تهدد قطاع الأعمال في خضم الأزمة أن هناك 10 مخاطر بارزة تهدد قطاع الأعمال خلال العام الجاري.
ورغم هذه الأجواء فقد قابل هذه الدراسة تفاؤل من بعض الدول التي نجحت في النأي بنفسها عن تكبد خسائر، أقلّ في الوقت الراهن مثل المملكة التي أعلنت مؤخراً عن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات صحية.
وكشفت الدراسة أن أهم المخاطر الإستراتيجية التي تواجه الشركات حول العالم في 2009 هي تبعات الصدمات الناتجة عن الأزمة المالية والتشريعات وقوانين الالتزام والركود المتزايد. وتظهر الدراسة ازدياد أهمية مخاطر السمعة قافزة اثنتي عشرة رتبة لتحتل المرتبة العاشرة، كما دخلت مخاطرة تكرار نموذج الأعمال إلى قائمة المخاطر الإستراتيجية محتلة المرتبة التاسعة بين التحديات التي تواجهها الشركات في عام 2009 بينما احتلت مخاطر تبعات الصدمات الناتجة عن الأزمة المالية والركود العالمي مخاطر التشريعات وقوانين الالتزام التي كانت تحتل قمة هذه التحديات والمخاطر في العام الماضي.
وبحسب الأشخاص التي استطلعت الدراسة آراؤهم، وهم أكثر من مائة محلل عالمي، فإن ترتيب أهم 10 مخاطر في عام 2009 جاء كالتالي:
أولاً: الأزمة المالية، ثانياً: التشريعات وقوانين الالتزام، ثالثاً: الركود المتزايد (وتتضمن هذه الفئة عوامل الاقتصاد الكلي بما فيها المصاعب التي تواجهها الشركات في سياق توفير الدخل وتقليل النفقات)، رابعاً: الاتجاه نحو الاهتمام بالبيئة ومشروعات التخضير بشكل كبير، خامساً: مداخيل غير تقليدية (وتتضمن هذه الفئة الشركات التي تدخل قطاعاً ما من سوق قريب أو القادمة من مناطق جغرافية بعيدة)، سادساً: تقليل التكاليف، سابعاً: المهارات الإدارية، ثامناً: إقامة التحالفات والصفقات، تاسعاً: تكرار نموذج الأعمال، عاشراً: مخاطر السمعة.
وفي ظل هذه المخاطر التحذير، تشهد الدول الخليجية حراكاً كبيراً للخروج بنتائج إيجابية مستفيدة بذلك من الدروس التي خلفها الركود الاقتصادي الحالي.
وبرهاناً على ذلك أشار الإعلان عن أرقام الموازنة المالية السعودية العامة، مؤخراً إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصناعي السعودي إلى 1753 مليار ريال خلال 2008 بنسبة نمو بلغت 22% بالمقارنة مع 2007 والتي بلغت 1430 مليار ريال، وإن المملكة نجحت في تقليص مؤشر الدين العام إلى الناتج المحلي خلال 2008 إلى 237 مليار ريال على الرغم من آثار الأزمة المالية العالمية.
وتتوقع جهات اقتصادية متخصصة بالشأن السعودي أن التضخم الموجود بالقطاع العام سينخفض إلى مستوى يقترب من 7%، وذلك بتفاوت معدلات صرف الدولار أمام العملات الأخرى، وانخفاض أسعار عدد من السلع المحلية لاسيما مواد البناء، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط التي ستتسبب بدورها في انخفاض تكاليف النقل والشحن والتأمين وإعادة المقاييس السعرية عند مستويات مقبولة.
تخطيط واقعي
وفي هذا الصدد قال عبدالله الشكرة رئيس الحنو السعودية القابضة: (تؤكد أرقام الميزانية الجديدة الموقف القوي للاقتصاد السعودي، والنابع من قدرة صانعي القرار على التخطيط الصائب بعيد النظر لمسيرة العمل التنموي، وتحقيق متطلبات التنمية المستدامة والشاملة، ودليلاً آخر على أن المملكة ستبقى في إطار المنافسة كونها إحدى أفضل الوجهات الاستثمارية في المنطقة).
وأضاف الشكرة الذي تطور شركته مشروعي جزر النجوم ومدينة الإمارات الصناعية، وهما مشروعان كبيران من مشروعات المدن المتكاملة في إمارة الشارقة بدولة الإمارات: (أن الإعلان عن أرقام الميزانية عكس عدم تأثرها بالأزمة المالية العالمية، والقابلية على تطوير مشروعات كبيرة، وقدرته في رفع معدلات النمو في قطاع العقار، وإكمال متطلبات القطاع العقاري لإكمال المشروعات الكبرى، والإعلان عن فرص ومشروعات جديدة يتم تطويرها بما يخدم توجهات المملكة في المستقبل المنظور والبعيد).
تراجع معدلات النمو
وتعليقاً على هذا التقرير وبالأخص قطاع الأعمال السعودي والمخاطر التي تواجهه علق الدكتور إحسان بوحليقة قائلا: الجميع اتضح أمامهم تراجع معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي وهذا يعني تباطؤ الحركة الاقتصادية ككل وفيما يتعلق بنشاطات القطاعات المختلفة فلا توجد مؤشرات محددة على الرغم من ضرورة وجود دراسات وتقارير تصدر من قبل الجهات المختصة مثل مصلحة الإحصاءات العامة التي يجب أن تجري مسحاً لتتبع تطورات تأثير الأزمة. وحتى الآن لم يتضح لنا إلا التأثير السابق بينما المهم هو معرفة التأثيرات المستقبلية وتطورات الأزمة وعلينا أن نلاحظ أن معاناتنا لا تقارن بالمعاناة في الدول المتقدمة فنحن نتحدث عن تراجع أرباح في شركاتنا التي حققت 101 مليار ريال أرباح للعام 2008م ولا نتحدث عن خسائر ففي القطاع المصرفي وقطاع البتروكيماويات شاهدنا تراجعاً بالأرباح في حين أن الدول التي عصفت بها الأزمة تحدثت عن خسائر لمؤسسات وإفلاس لأخرى، فالوضع مختلف ولكن الهاجس الأكبر الآن مع شعور الناس بأن هناك أزمة يتجهون بالاتجاه الطبيعي وهو تقنين الإنفاق والتوجه إلى التوفير وهذا يعني تراجعا بالطلب الذي ينعكس على الاقتصاد بالتباطؤ ولذلك نجد كثيرا من الحكومات تسعى لأخذ زمام المبادرة رغبة في تحفيز الطلب فتأتي هذه الزيادة من زيادة الإنفاق أو أن يكون هناك مبادرات لتشجيع الأفراد للإنفاق بآليات معينة. أما برأي الدكتور الحصان فقال إن الشركات التي لها تعاملات مع الأسواق الخارجية وبالتحديد الأسواق الأوروبية والأمريكية سوف تعاني من انخفاض الطلب على منتجاتها وبالتالي انخفاض الدخل من هذه الأسواق خصوصا إذا ما علمنا أن الركود الاقتصادي قد شمل جميع الاقتصادات العالمية وبنسب متفاوتة، أما الشركات التي يقتصر الطلب على منتجاتها داخل المملكة فإن الدخل من السوق المحلي لن يتأثر بشكل كبير.
تأثر القطاعات الاقتصادية
وحول مدى تأثر القطاعات الاقتصادية بالأزمة قال الدكتور الحصان بكل تأكيد قطاع البتروكيماويات والقطاع المالي هما أكثر القطاعات تأثرا وسبب ذلك أن معظم المنتجات البتروكيماوية تباع بالأسواق الأوروبية والأمريكية وبالتالي هي الأكثر تأثرا بانخفاض الطلب الناشئ من الركود الاقتصادي في السوق الأوروبية والأمريكية يضاف إلى ذلك انخفاض الطلب من الهند وشرق آسيا كما أن القطاع المصرفي لم يتضح حتى الآن مدى تأثره بالأزمة المالية بشكل كامل واعتقد أن نتائج الربع الأول من العام 2009م ستساهم بشكل كبير في اتضاح الرؤية. أما الدكتور أبوحليقة فقال القطاعات التي تعتمد على التصدير تتأثر بشكل مباشر وهذا ما رأيناه في القطاع البتروكيماوي مثلاً وبحكم تراجع الطلب وانخفاض الأسعار فيتضح أنها ستعاني خلال العام 2009م، أما على الصعيد المحلي فهناك مخاوف من تراجع وتقلص رغبة المستهلكين والمستثمرين بالإنفاق والاستثمار فالجميع يحاول يحتفظ بالنقد المتوفر لديه فالموظف أياً كان دخله يحاول أن يقلص من مصاريفه، كما أن المستثمر ينتظر لحين توافر الفرص الأفضل بما في ذلك الاستحواذ سواء في سوق الأسهم أو في سوق العقار. وأضاف الدكتور إحسان ومع معاناة العالم في هذه الأزمة نجد أن من كان بصدد إنشاء مصنع مثلاً يتوقف لإعادة دراسات الجدوى بحكم تغير مستويات الطلب والتأكد من الربحية.
وعن مدى تأثر ربحية الشركات يقول الدكتور إحسان أبوحليقة ما حدث كان مفاجأ للجميع فكانت هناك توقعات بتماسك الأسعار والطلب وهذا ما جعل القضية تتركز في المخزون ومخزون آخر المدة ارتفاع بأنواعه المختلفة من مواد مصنعة وشبه مصنعة ومواد خام وعندما انقلبت الطاولة رأسا على عقب انخفض الطلب مع تراجع الأسعار. أما الدكتور زايد الحصان فقال بالتأكيد نتوقع انخفاض مستويات الربحية بشكل متفاوت في غالبية الشركات ولا نستغرب أن تحقق بعضها خسائر حقيقية.
خطوات الشركات لمواجهة الانخفاض
وعن الخطوات المتخذة من قبل الشركات السعودية لمواجهة الانخفاض في الدخل خلال العام الحالي يرى الدكتور الحصان أن الخطوات التي يجب إجراؤها تتلخص بعدة نقاط أهمها الضغط على بند التكاليف بأنواعها وتخفيض مستويات الإنتاج بما يكفل المحافظة على مستويات الأسعار بالتعويض عن انخفاض الطلب، كما أن محاولات الاندماج مع شركات في نفس القطاع لخلق كيان أكبر للاستفادة من اقتصاديات الحجم وتخفيض التكاليف أما الدكتور إحسان فذهب إلى أن المخصصات التي جنبت تحسبا للخسائر خطوة إيجابية وتعكس إلمام هذه الشركات بمسؤولياتها ويفترض من الجهات المعنية ألا تترك هذه الجهات لمصيرها والسبب أن ما حدث فوق طاقة وتصور الجميع ولذلك نجد العديد من الدول رصدت مبالغ ضخمة وصممت برامج لتحفيز الاقتصاد والتخفيف من آثار الأزمة لحماية مؤسساتها وعندما نتحدث عن الاقتصاد المحلي والجزء المنتج من الاقتصاد نجد أن هناك شراكة طويلة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص امتدت لأكثر من أربعين سنة فيجب مراقبة الوضع وعدم السماح بالوقوع لمثل هذه الشركات التي لا تستطيع مواجهة الأزمة فلابد من وجود برامج وآليات لمساعدتها كأن يكون هناك برنامج من بنك التسليف السعودي بحكم المادة الرابعة للبنك التي تنص بأن البنك معني برعاية وتمويل المؤسسات فلابد من إطلاق البرنامج والمبادرة. والمادة الرابعة تنص على أن البنك هو الراعي والممول وهو الجهة المعنية بهذه القضية فمثلاً يطلق دراسة ولابد أن تكون الخطوات سريعة إذا أردنا التفكير كما أن هناك العديد من الصناديق المتخصصة التي كانت أحد أهم مصادر دعم الحكومة للقطاع الخاص التي امتدت لعقود طويلة فلا يجوز أن تتخلى عنها أو أن تقتصر المساعدة بالنصائح وإيضاح الموارد التي تحتاج إلى دعم, ومن الصناديق المتخصصة صندوق التنمية الصناعي وصندوق التنمية الزراعية الذي وصل رأس ماله إلى 20 مليارا وبنك التسليف الذي وصل رأس ماله إلى 16 مليارا.
وحول وضع الشركات السعودية ومخاطرة مواجهتها للإفلاس يعتقد الدكتور الحصان أن الشركات السعودية بعيدة عن مواجهة مخاطر الإفلاس وذلك لأسباب هيكلية خاصة بالشركات السعودية فهي شركات تم إنشاؤها وتمويلها برؤوس أموال خاصة (عائلية) وبالتالي غالبيتها لا تواجه مخاطر انخفاض أو انقطاع التدفقات النقدية الداخلة منها والخارج لأنها لا تعتمد في تشغيلها على هذه التدفقات بنسبة كبيرة جدا أما الدكتور إحسان فقال لا يوجد هناك شيء مستبعد فهذا يعتمد على نوعية الشركة فهل هي معتمدة على مواردها الذاتية أم أنها منكشفة على ديون وهذه الديون حلت الدفع مع التزاماتها المستقبلية ولا تستطيع الإيفاء بها كما أن تراجعا في الطلب على منتجات هذه الشركة هذا بالتأكيد سيؤدي إلى تقلص نشاطها قد يعني إغلاق بعض الفروع أو أن تكون ناجحة فهي نسبة وتناسب.
وفي نفس السياق علق أمين عام منتدى الرياض الاقتصادي الدكتور محمد بن حمد الكثيري قائلاً: من الصعوبة القول إن شركاتنا المحلية لن تتأثر بالأزمة العالمية، بل إني أختلف كثيراً مع من يحاول التقليل من شأن الأزمة على شركاتنا فنحن جزء من العالم نؤثر ونتأثر به نستورد منه ونصدر إليه مما يعني أن قوة اقتصادنا لن تقف حائلاً أمام تأثر الشركات من تلك الأزمة ما لم تكن شركاتنا تعمل في محيط معزول عن التأثرات والاقتصادات العالمية، وهذا أمر لا ينطبق على الواقع، لذلك فالشركات ستتأثر وإن كان التأثر بدا واضحا على الكثير منها خصوصاً في تلك التي تتعامل مع الأسواق العالمية أو التي دخلت في شراكات عالمية لإنجاز بعض مشروعاتها حيث أصبحت تعاني مما تعانيه تلك الشركات العالمية التي تشاركها في تلك المشروعات، أما تلك الشركات التي تتطلب تمويلاً عالمياً من خارج المملكة فقد بدأ بعضها في إلغاء بعض المشروعات وبالتالي انسحاب مؤسسات التمويل العالمية منها.
وأضاف الكثيري قائلاً: إن الأزمة ستؤثر على ربحية الشركات وإن كانت نسب التأثير تختلف من قطاع إلى آخر، كذلك من ناحية ارتباطات الشركة وتعاملاتها العالمية فكلما كانت الشركات لها تعاملات مع أوروبا وأمريكا كلما كان الأثر أكثر وضوحاً، كما أن الواضح أن الجميع سيطاله الأثر السلبي وحول أكثر القطاعات تأثراً قال الدكتور الكثيري -كما قلت سابقا- فإن القطاع المالي قد يكون هو الأكثر تأثراً وذلك لعلاقاته واستثماراته العالمية وارتباطه بالأسواق الدولية أكثر من غيرة إضافة إلى الشركات الكبيرة ذات المشروعات المشتركة وتلك التي تعتمد في مشروعاتها المحلية بممولين عالميين وهي التي ستعاني أكثر من غيرها حيث إن مؤسسات التمويل العالمية تحجم عن إقراض المشروعات وأصبحت أكثر تحفظاً في ذلك، وبالتطرق إلى آليات مواجهة الأزمة لدى الشركات السعودية قال الكثيري إن على الشركات إعادة النظر في أساليب إدارتها وإن كانت الأزمات تخلق فرصا للدخول في بعض المشروعات أو الاستحواذ على بعضها أو الاندماج فيما بين هذه الشركات، واستطرد الكثيري قائلاً أنا لا أتحدث هنا عن الفرص ولكن أشير إلى كيفية مواجهة الأزمة والحد من الخسائر وهذا يتطلب اتباع سياسة متحفظة في الإنفاق شريطة ألا يؤثر ذلك سلبا على العاملين داخل الشركة، وأضاف الكثيري قائلا عطفا على الاضطراب بالأسواق المالية وعدم استقرارها فإنني لا أرى ضرورة للاستثمار المالي من قبل الشركات كوسيلة لرفع الأرباح، بل أرى أن تركيز الشركات على أعمالها الأساسية والمحافظة عليها حتى يتم تجاوز الأزمة وهو الأولى والأنسب.