من اعتاد حضور المؤتمرات والمنتديات العلمية والثقافية: المحلية والعربية والدولية يؤمن أن هوامشها أهم من متونها؛ ففي مساحات الحضور الخافت بعيداً عن ضجيج المايكروفونات وفلاش العدسات تتجرد الحقيقة من العباءات والياقات، وفي مسافات التواصل المباشر إشارات العينين والشفتين، وخطوط موحية باتجاهات (النجدين).
تمتد خيوط العلاقات الإنسانية وترتد؛ فيعبرها المبتسم والمتجهم، والهادئ والمتأزم، والصادق والمنافق، ومن لا تحمله قدماه تيها ومن يمشي على الأرض هوناً، وكذا من يرفع مقامُه مقالَه ومن يضعه.
لم يعد كل الناس أسرى الكلام المنمّق؛ فبعضنا حكّاءون بامتياز، وقد تهزهم إيماءات الإعجاب فيظن التصفيق صدى الإنجاز، وربما كان بريق الارتجاز؛ فإذا تبدت الأمور انكشف المستور.
ثمة من يبحثُ عن النجومية وآخرون تبحث عنهم؛ وفي الفريق الأول من تهمه إشارات الأصابع نحوه بحثاً عن الشهرة، وربما غيّروا خوارجهم فلم تنبئْ عن دواخلهم، وإذ ذاك نستعيد (لباس الشهرة) الذي كرهه الفقهاء كراهة تنزيه، وكان الإمام أحمد 164-241هـ إذا رأى رجلاً لابساً بردا مخططاً بياضاً وسواداً قال: (ضعْ هذا، والبس لباس أهل بلدك)، ولو كنا مكانه لقلنا لهم: كونوا كما أنتم؛ فقد يضيركم التلميع.
ستظلُ مشكلة (المشاهير) الأقنعة التي يرتدونها فتحجب ملامحهم، غير أن المجتمع المغلق يُفرز وجوهاً متعددة لأفراده، سواء أكانوا نجوماً في السماء أم رسوماً على الغبراء؛ فهذا وجه للمنزل، وآخر للشارع، وثالث للأصدقاء، ورابع للعمل، وخامس وعاشر لذوي النفوذ والتيارات وفق ما يناسب كُلاَّ منهم، وتتوالى المفاجآت حين لا نعرف من نعرف لأننا رأيناه خلف قناع الصباح الذي يتبدل في المساء.
الحكاية تشي بصدمات ووصمات، والواقع يؤكد تفشي ذلك بين معظم الفئات والطبقات، ومن كان منا بلا قناع فليرمنا بوجهه الوحيد لنتوارى من وجوهنا المتعددة.
الانفتاح والشفافية والمسؤولية الأخلاقيّة والاجتماعيّة قارب الإبحار من الشاطئ المقفل إلى حيث تنداح الدوائر عن وسم الماء فندرك أن السطح والعمق سواء.
الحق أولى من الخلق.
Ibrturkia@hotmail.com