تمر الدول العربية أو الأمة العربية بأزمة افتراق طرق، وتنأى إلى طور من الخلافات والمأزق السياسي شديد التعقيد، قوامه كيفية التعامل مع قضيتهم التاريخية في فلسطين، فالموقف الحاضر يدخل في عدة مسارات، ليس بينها على الإطلاق نقاط التقاء، ولا تحمل في نفس الوقت حلولاً توفيقية لأزمتهم السياسية في الأرض المحتلة، والسبب لأنهم اختاروا طريق السلام وهم في مرحلة الضعف، وكما قيل قد يخسر القوي في الحروب، لكن الضعيف لا محالة يخسر في السلم..
ما أود أن أصل إليه في نهاية هذا المقال هو أن الإسلام تم اختطافه من العرب، وتم نقل مبادئه وأصوله السياسية إلى إيران، وإلى جماعات إسلامية تجد في الجهاد الحل الأمثل للتعامل مع الغرب وغزواته التي لم تتوقف منذ قرن ونيف..، والدور الآن على مواقف العرب التاريخية منذ 1948، وهل يتم أيضاً اختطافها من قبل جهات أخرى خارج المنظومة العربية مثلما حدث مع الخطاب الديني تجاه الأرض المقدسة..
فالإسلام حسب القراءة الأصولية ينص بوضوح بوجوب قتال ومحاربة المعتدين على الأرض والأماكن المقدسة، وهو ما يفتح المجال لمختلف الفئات والطوائف في التنازع للفوز براية الدين في هذا الموقف.. هذا هو المأزق الذي توجهه الدول المعتدلة شئنا أم أبينا، فالالتزام بالخيار السلمي يواجهه إعلان حرب من إسرائيل تسنده قوة سياسية وعسكرية من الغرب، ويظهر ذلك بجلاء في موقف اليهود وبعض المسيحيين من أرض فلسطين، فهم أيضاً يؤمنون أن لهم حقاً تاريخياً ودينياً في هذه الأرض، وبالرغم من ستخدامهم لخطاب حداثي إلا أنهم لم يعلنوا بعد تنازلهم عن مبادئهم التي تطالب بالحق الإلهي كاملاً في فلسطين.. لذلك سيكون من الصعب أن نطالب المسلمين بالتخلي عن حقهم المقدس في فلسطين، وعن أصولهم الدينية التي تلتزم بهذا الحق.
لا زلت أنتظر أن يعلن الغرب الليبرالي والعلماني أن الحل السلمي في فلسطين سيكون من بوابة المدنية والمبادئ العلمانية، وأن فلسطين ليست أرضاً مقدسة، ويحق للطرفين بدون تمييز عرقي أو ديني أن يسكنوها، وأن يعود المهجرون منها إلى منازلهم، لكن ذلك لم يصدر بعد، وكما أكدوا في مؤتمرهم الأخير هم متحدون ضد عودة اللاجئين، وأن الأرض هي لليهود وللمهاجرين من أتباع الدين اليهودي فقط..، وهو ما يجعل خطاب المقاومة والجهاد يهيمن على ردة الفعل، ويصر على استرجاع الأرض المسلوبة..
بعبارة أخرى ما يحدث من استيطان وحروب داخل فلسطين مواقف مستوحاة من التوراة، ومن مواقف دينية يهودية متطرفة ومسيحية صهيونية، وهو ما يجعل المطالبة باستبدال الخطاب الإسلامي ضد اليهود الغاصبين مفارقةً وتناقضاً لن تقبله الشعوب مع مرور الزمن، ولو حدث ونجح الإعلام في الترويج للتعايش مع اليهود الصهاينة في فلسطين، فإن ذلك لن يدوم طويلاً، لذلك من المفترض أن لا يفرط العرب في إرثهم الإسلامي، وترك الأمر لغيرهم من الأمم في رفع راية الخطاب الإسلامي ضد المعتدين.. وذلك لسبب بسيط وهو أن الموقف الديني من احتلال الأراضي المقدسة لن يتبدل..
في جانب آخر يلاحظ المتابع للأحداث التحول المدهش في الموقف التركي من قضية فلسطين ومن أحداث غزة الأخيرة، وما فعله الرئيس أردوغان في المؤتمر الاقتصادي العالمي الأخير استحق ثناء وإعجاب رجل الشارع في العالم العربي والإسلامي، ويدل على تغيير في الموقف التركي من العرب الذين وقفوا يوماً ما ضد الخلافة العثمانية، وربما تخطف تركيا من العرب مواقفهم التاريخية تجاه فلسطين، وهو أمر لا يمكن استبعاده في الوضع الحالي في ظل ازدياد شعبية الرئيس التركي في الشارع العربي، وتركيا مؤهلة لأداء دور القيادة في التوجه السياسي السلمي المشحون بلغة الغضب من سلوك إسرائيل؛ لأنها محسوبة على التيار السني، وتحكم من خلال النظرية العلمانية.