أعرف الشيخ عمر بن جاسر البلطان -رحمه الله- قبل نصف قرن..
** عرفت هذا الرجل العصامي قبل أن يفتح مكتباً عقارياً صغيراً.. وكنت أتابع نشاطه وأعرفه مثل ما يقول العوام (معرفة وجه).. ذلك أنه يعرفني وأعرفه.. لكنه ربما لا يعرف اسمي بالضبط.. غير أنه يعرف أنني من منسوبي الإعلام..
** وبعد أن فتح مكتباً للعقار.. تواصلت معه.. وقد زرته -رحمه الله- في مكتبه في حلة العنوز أكثر من مرة.. وكان يسألني دوماً.. إذا كان عندك (قريشات) فادفع بها في مساهمة.
** جمعت نفسي في أحد الأيام وأخذت كل ما حولي وأعطيته مبلغاً ونسي أن يسألني عن اسمي كاملاً.. كما نسيت أن أطلب منه سنداً.. ومضيت.. وبعد ما يزيد عن سنة.. رجعت لمكتبه فبادرني قائلاً.. مساهمتك موجودة وقد تضاعفت ثماني مرات.. بمعنى أن المبلغ تضاعف ثماني مرات.. غير أنني وجدت أنه لم يسجلها باسمي.. لأنه أصلاً لا يعرف اسمي كاملاً.. بل كان يحفظ فلوسي في كيس باغة مكتوب عليه (راعي زين وشين) وهو برنامج إذاعي كنت أعده آنذاك لإذاعة الرياض، واشتهر في وقته عند الناس.. ولأن الشيخ عمر البلطان لا يعرف اسمي بالضبط فقد كتبه باسم راعي هذا البرنامج الإذاعي الشهير.
** والمهم في الحادثة.. هو (الأمانة) عندما تكون الأمانة على حقيقتها.. والصدق والنزاهة والطيبة.. إذ كان بوسعه أن ينكرك تماماً لأنك لا تحمل سند قبض.. كما أن بوسعه أيضاً.. أن يقول.. إن فلوسك ربحت ربحاً بسيطاً أو يقول.. لم تربح ولكن.. أن يعطيك فلوسك مضافاً إليها رقماً مضاعفاً ثماني مرات.. فهذا قمة الوفاء والصدق.
** هذا مثل لنزاهة وصدق وأمانة هذا الإنسان الكبير.. الذي بدأ موظفاً بسيطاً في التربية والتعليم وكان (يطقطق) في العقار مساء.. حتى ترك العمل الوظيفي ثم فتح مكتباً فاشتهر بين الناس بصدقه وأمانته ونزاهته ولباقته وطيبته ومحبته للآخرين فأقبل الكل عليه وعلى مكتبه واستمر في العطاء العقاري والناس -كل الناس- تثق فيه وتمنحه الأموال دون أن تسأل.. وكان -رحمه الله- دقيقاً صادقاً يعطي كل ذي حق حقه.
** هذا الرجل.. دخل إلى عالم العقار بأمانة ومسؤولية وقلب صادق.. قلب مؤمن.. فوفقه الله وفتح الله كنوز الدنيا أمامه.. فأسس أكاديمية عقارية تعلم فيها ابنه خالد عمر البلطان.. وورث عن والده.. العصامية والعمل في العقار..
** علاقتي بالشيخ عمر البلطان -رحمه الله- استمرت بعد (كيسة الباغة) المليئة بالفلوس.. والمكتوب عليها (راعي زين وشين) إلى أن مرض، ثم توفاه الله.
** عرفت فيه -رحمه الله- السجايا والخصال الطيبة.. وعرفت فيه عن قرب.. الأمانة والصدق والعصامية وطيبة القلب.. وحرصه على أداء الحقوق لأصحابها.
** عايش الطفرة منذ بداياتها وعاش معها وتعامل معها بأخلاقه العالية كما عرفه الناس.
** وعندما أثرى هذا الرجل الإنسان.. لم يزده ذلك إلا تواضعاً وطيبة وقرباً من الآخرين.
** فعمر البلطان -رحمه الله- لم تغيّره المادة ولا الثراء.. ولم تغيّر في أخلاقه وسجاياه شيئاً.
** رحم الله عمر البلطان وأسكنه فسيح جناته.. إنه سميع مجيب.