المقاومة في أي وطن قوة دفاع تفرضها ظروف العدوان وليست اختياراً للإنسان الذي بطبعه يميل إلى الحياة المستقرة، والمقاومة بوسائلها المتعددة سواء بالقوة العسكرية أو الروافد الأخرى، إلا أن إشارة العدو لنفسه بالزمان والمكان ..
.. تفرض استعداداً وتحضيراً ووحدة، واتحاداً بين أبناء الوطن الواحد، فالعدو واحدّ والمصالحُ متداخلةّ.
وبالنسبة لقضيتنا القضية الفلسطينية مضى عليها ستون عاماً ومع ذلك لم تتبلور استراتيجية واضحة المعالم سواء على المستوى السياسي أو الإنساني وكذلك العسكري، ولقد كانت البداية بزخم يبشر بخير جاء بعده ترد في مسؤولية المقاومة بالسلاح، وتراجع في الأداء، ومع ذلك نتذكر ذلك الجهد في بداياته حين انطلق من الأردن وعلامة ذلك المميزة معركة الكرامة، ونتذكر أيضاً الانطلاقة من بيروت والمعاناة في تونس، وما حدث بعد ذلك أسباب عدة لتردي الحال، ومن ذلك:
التفاؤل غير المحدود بالعمل السياسي الذي يفتقر إلى دعم من واقع الأرض، إلا أن النتيجة أن ما حدث في أوسلو وما اتفق عليه ورط نهج المقاومة في فراغ أوسلو وما بعده فضل بنا الطريق.
إن العمل السياسي العائدة تفاصيله على الوطن وأمنه، أو تجسد في جهد طرد المحتل يأتي بعد أن يحقق الجهد العسكري ومعه قوة الإنسان شيئاً يمهد له أما أن يسبقه كما حدث في أوسلو وأن يسعى من يسعى لقيام دولة مستقلة مبتورة الحدود لا تلبي أمناً ولا استقراراً، وتحيط بها المستوطنات من كل ناحية بجانب أن كل مفاوضات أوسلو تكتمت وعملت بعيداً عن الشعوب المعنية، وجاءت النتائج بما جاءت به وتحول الجهاد إلى سهاد وبدأت السلطة (القيادة) تمارس الحياة كما لو أن المهمة انتهت والغاية تحققت.
وعامل الزمن يسير بهم وتسبقه الأحلام والتمنيات، والأمر كذلك كان لابد من عودة الحياة إلى المقاومة حتى وإن بدأت متواضعة ومع ذلك استطاعت هذه المقاومة أن تحقق بعض الإنجازات ومن أهمها أنها صوت يلازمه السلاح وتؤكده قوة الإنسان ليفرض نهج المقاومة على كل الاجتهادات التي تسرعت وأخذت بالنهج السياسي بطريقة لم تكن موفقة، وتم هذا بدون الأرضية التي يقوى بها المفاوض وتشتد به الفاعلية، والأسوأ أن ما تم في أوسلو تم بمعزل عن الجهد المشترك على مستوى الأمة ذات المرجعية القومية، وكذلك بمعزل عن مشاركة عامة وشاملة للفلسطينيين حيثما كانوا.
إن مقومات العمل السياسي واضحة وجلية، وفي أوسلو غاب أثرها وتأثيرها لأن مصدر قوتها المفاوضات، وليس شيئاً مما هو على الأرض وإن قال أحد بفراغ الأرض من كل مصادر القوة فالحقائق تؤكد عكس ذلك، فالتمسك بالحق قوة والتأثير النفسي قوة وكذلك الصمود والحضور قوة والمواطنة الحقة قوة وغير ذلك كثير، فمن يتصور أن القوة مكمنها السلاح والقوة العسكرية فقط فهو من استوعب بالخطأ دروس التاريخ، ومثال على هذا وبعيدا عن الجغرافيا والتضاريس لنتذكر فيتنام والجوانب المعنوية في حربهم مع القوة في العالم، ولقد كان كافياً للهجوم الأمريكي بقوته وسلاحه أن يثير الرعب ويخلق ارتباكاً وتردداً لدى أهل فيتنام.
وبالحس غير المادي استطاعوا الذود عن بلادهم وتحقيق نصر نعرف تاريخه، ومن هنا أرى أن القوة العسكرية لازمة ولكنها ليست القوة الأساس، ويؤكد ذلك ما حدث في حرب فلسطين بغزة وصمود المقاتل والمواطن الطفل والمسن والمرأة أمام قوة عاتية ظالمة يشهد على ظلمها وجبروت عدوانها عدد القتلى الجرحى خلال ثلاثة وعشرين يوماً، فالإنسان بقواه المعروفة والمجهولة وبإيمانه هو الأساس المتين أمام أي عدوان.
إلى كل مخلص لفلسطين، وكل معني بها، وبدمائها وأرضها ومواطنيها عليه أن يقتنع أن العمل السياسي مطلوب ولكن وفق ذاكرة للزمن يستوعب من خلالها المعتدي والمقاوم ما هو على الأرض لصياغة استراتيجية لها فعل، وأتمنى أن تبنى هذه الاستراتيجية من واقع الأحداث في غزة، وما صاحب ذلك من صمود أثناء الحرب وما بعدها وربما أن مشاهد الأطفال والروح التي تلبستهم درس للجميع، والله الموفق.