أحسبُ أنني من بين الأوائل الذين نادوا بتعديل مسمّى (وزارة المعارف) إلى (وزارة التربية)، وقد كتبتُ عن ذلك مقالاً قبل نحو عقد ونصف من الزمان، وعلّلتُ ذلك النداء بالقول إن التربية بوتقةٌ ينصهرُ فيها إنسانُ التنمية ورحْمٌ يتشكل فيه مُواطنُ الغد!
**
* وإذا كانت التربيةُ شيئاً غير ذلك، فماذا عساها أن تكون.. غير ذلك؟!
* ما جدواها إن لم تحقِّق للمرء فرصة العُمر ل(الهجرة) من جدب اللاّوعي إلى واحة الفهم والعلم والإدراك؟
* ما قيمتُها إذا لم تُعتقْ صاحبَها من (رقّ) التخلُّف عتْقاً يمنحه سموَّ الذات وإبداعَها خدمةً لنفسه ومَنْ يهمُّه أمره وللكون من حوله؟!
* ما جدواها إذا لم تصنعْ الفرقَ بين الإنسان وبهيمةِ الأنعام؟!
**
* هكذا تصورت التربية محصلةً طبيعية للعملية التربوية، وغاية سامية لها. ويبقى التعليمُ في أحسن أحواله الجسر الذي يعْبُر من خلاله متلقُّو التعليم إلى تلك الغاية.
**
* وقد ختمت ذلك المقالَ بما يلي:
* ((.. كم أتمنَّى.. لو نسمو بمفهومنا للعملية التربوية فلا نتصورها أداة حقنٍ للمعلومات في (أنابيب) بشرية تفقد صلاحيتها بعد حين ثم يدركها البَلَى.. لماذا؟ لأن المعارف الإنسانية في غالبها متحولة لا تبقى على حال، بل تتغير في كل يوم.. بل في كل ساعة. ومهمة المعرفة أو المعلومة لا تكمن في تخزينها وراء قضبان الذاكرة.. فالحاسب الآلي حمل عنا هذا العناء، ثم إنه مهم جداً أن نسخر المعلومة ونطوعها لنستفيد منها لصالحنا، ونتابع ما يطرأ عليها من تعديل وتبديل وتقويم.. لصالحنا أيضاً. هذه هي التربية.. كما نريدها أو كما نتمناها!).
**
وبعد..
* فها قد تحقَّقَ جزءٌ من النداء، وباتت (التربية) جزءاً من ثنائية المسمى المبارك لوزارة يقعُ على عاتقها (وزرُ) تشكيل (العقُول الشابة)، وهي تثَابرُ الآن بصمتٍ وجدّيةٍ معاً، لتحقيق هذه الغاية السامية بقدر من النجاح، ونطمَعُ أن يكون هذا النجاحُ مُسْتَوعباً لطموحاتنا، آباء وأمهاتٍ، وطلاباً وطالباتٍ.
**
* ثم إنّ العبرةَ في المطاف الأخير، ليست في تغيير المسمّى فحسب، ولكن فيما يتَرتَّبُ على ذلك من تقويم ومراجعة وتعديل في آليات ومحاور (وعدّة) التصنيع لعقول المستقبل، فذاك هو الاستثمار الحقيقي الذي يفوقُ ما عداه من استثمار. المالُ يأتي ويذهب، والظفر به أو خسرانه يعتمد على متغيرات كثيرة في ميادين السياسة والاقتصاد وغير ذلك، أما الاستثمار في العقول البشرية فمردوده ثابت لا يتحول إلا لِمنْ أساء تطبيقه، والأمل في نجاحه باقٍ.
**
* أجلْ.. الاستثمارُ في الإنسان هو أغلى وأغنى وأقنى الجهود لبناء إنسان المستقبل القادر على صنع الفرق بين أمسٍ (كان).. وغدٍ (سيكون) بإذن الله.