الرياض - محمد بدير
كشفت دراسة حديثة عن العديد من المشاكل التي سوف تواجه المصارف الإسلامية في المرحلة القادمة عند تشكيلها لهيئات الرقابة الشرعية، أبرزها قلة عدد الفقهاء المتخصصين في مجال المعاملات المصرفية والمسائل الاقتصادية الحديثة؛ مما يؤدي إلى عدم وجود تصور واضح لهذه المسائل، ومن ثم صعوبة الوصول للحكم الشرعي الصحيح فيها. كما تبرز في هذا السياق مشكلة عدم وجود جيل ثان مؤهل للعمل كمراقبين شرعيين، فالكوادر الموجودة الآن إما أن تكون ملمة بأمور الفقه والشرع وإما أن تكون ملمة بأسس الاقتصاد الإسلامي، ولا يوجد من لديه القدرة على الجمع بين الثقافتين (الفقهية والاقتصادية)، على الرغم من أن الجيل الأول من المراقبين الشرعيين اكتسب الخبرة العملية الكافية التي مكنتهم من القيام بالدور المزدوج.
عدم تبلور مفهوم الرقابة والضغوط التي قد تمارس لإباحة بعض التصرفات أهم معوقات الهيئات
وأكدت الدراسة التي أصدرها المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على أن الرقابة الشرعية ضرورة حيوية للنظام المصرفي الإسلامي، فالأساس الذي قامت عليه تلك المصارف المعاصرة هو تقديم البديل الشرعي للمصارف الربوية غير المشروعة، ولذا كانت هيئة الرقابة الشرعية هي الجهة التي تراقب وترصد سير عمل المصارف الإسلامية والتزامها وتطبيقها في معاملاتها للأحكام الشرعية، كما أن وجودها يُعطي المصرف الصبغة الشرعية، ويُعطي الجمهور الثقة في التعامل معها.
يضاف إلى ذلك عدم الإحاطة بقواعد المعاملات الإسلامية من قبل جميع العاملين في المصارف الإسلامية.
وتزداد أهميتها حالياً نظراً لتعقد الصور التجارية وانتشار أنواع جديدة من المعاملات التجارية كبطاقات الائتمان والحسابات بأنواعها، والتجارة الإلكترونية التي لا يوجد لها أحكام في المصادر الفقهية القديمة.
كما أن العمليات المصرفية في الاستثمار والتمويل تتميز بالتغير وعدم التكرار مع كل حالة أو عملية أو مشروع يموله المصرف مما يستلزم التعرف المستمر على رأي هيئة الفتوى.
فقد كشف التطبيق العملي لإنشاء هيئة الرقابة الشرعية عن أن أعضاء الهيئة كانوا رجال فقه وفتوى فقط، فكان دورهم في مراجعة العقود والفتوى جيداً، لكن دورهم الرقابي كان ضعيفاً، واقتصر دور الرقيب الشرعي على تقديم فتوى، تسمى بلغة الإدارة مشورة فردية.
ويكمن السبب في هذا القصور في أن عمل الرقابة الشرعية يتميز بالتعدد، لأن الفرد الواحد مهما بلغت سعة علمه لا يمكنه أداء المهمة، وذلك للتعقيد والتشابك الذي تتميز به المعاملات المالية المصرفية، الأمر الذي يتعذر على الفقيه الواحد الإلمام به بعمق ودراية.
ولذا فإن هيئة الرقابة لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة أعضاء، يفترض فيهم أن يكونوا ملمين بأحكام الشريعة وأسس الاقتصاد الإسلامي والمحاسبة.
وتعرّف الدراسة التي نشرت تحت عنوان (الهيئات الشرعية بالبنوك الإسلامية) مفهوم الرقابة الشرعية بأنها (التأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية الإسلامية لأحكام الشريعة الإسلامية حسب الفتاوى الصادرة والقرارات المعتمدة من جهة الفتوى).
فوجود هيئة رقابة شرعية من شأنه أن يطمئن المتعاملين مع البنوك الإسلامية والذين اختاروا التعامل معها على أساس التزامها بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية، وقد أثبتت عدة دراسات أن ما بين 86% و96% من المتعاملين مع البنوك الإسلامية يتعاملون معها لكونها إسلامية.
كما أن وجود هيئة للفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسة المالية الإسلامية أو المؤسسة التقليدية التي تقدم خدمات مالية إسلامية أمر بالغ الأهمية حيث تقوم بدراسة المنتجات الإسلامية المبتكرة أو البديلة، ومن ثم الحكم بجوازها من عدمه كما تقوم بدراسة العقود والمستندات والنظر في مدى استيفائها للشروط الشرعية وإقرارها.
وتتخوف الدراسة من العوائق التي تعترض هيئة الفتوى في المصارف الإسلامية والتي أبرزها عدم تبلور مفهوم الرقابة في أذهان إدارة المصرف، مما يؤدي إلى خلق مشاكل عديدة لهذه الهيئة، خاصة عند عدم وجود منهج واضح معتمد من إدارة المصرف لأعمال الهيئة.
ويضاف إلى ذلك العديد من العوائق منها: قلة عدد الفقهاء المتخصصين في مجال المعاملات المصرفية والمسائل الاقتصادية الحديثة مما يؤدي إلى عدم وجود تصور واضح لهذه المسائل، ومن ثم صعوبة الوصول للحكم الشرعي الصحيح فيها، بجانب التطور السريع والكبير في المعاملات الاقتصادية وصعوبة متابعتها بالفتوى وبيان الحكم الشرعي.
وأيضاً عدم الاستجابة السريعة لقرارات الهيئة من قبل إدارة المصرف، وهذا الأمر سيؤدي إلى استمرار وجود المخالفات الشرعية والاعتياد عليها من قبل الموظفين، وسيقود في نهاية الأمر إلى رقابة شرعية صورية لا معنى لها.
بالإضافة إلى الضغوط التي قد تمارسها إدارة المصرف على الهيئة لإباحة بعض التصرفات، معتمدة في ذلك على عدم إلمام الهيئة الكامل بدقائق المعاملات المصرفية، فتقوم مثلا بصياغة السؤال وتكييفه تكييفا ًمعيناً، أو حذف أجزاء منه، أو قد تكون صياغة السؤال مخالفة للواقع العملي ثم تقدمه للهيئة لتقوم الهيئة بإباحة التصرف بناء على ما قدم لها.
كما قد يتم العمل على تضيق اختصاصات الهيئة، فيقتصر دورها في أغلب الأحيان على صورة سؤال وجواب، ثم لا تقوم بتقويم الأخطاء وتقديم البديل الشرعي، وتصبح بذلك واجهة شرعية تكمل بقية الواجهات لإضافة الصبغة الشرعية على المصرف، ودعاية أمام جمهور المسلمين.
وتتطرق الدراسة إلى الهيئات الشرعية بالبنوك التقليدية حيث تعتبر أن قبول العضوية في هذه الهيئات في حد ذاته إشكالية، إذ إن ذلك يعني قبول العضوية في هيئات تقدم خدمة لمؤسسات مالية جل تعاملها ومصدر دخلها يقوم على أسعار الفائدة المحرمة شرعا.
وهي بذلك تسهم في نمو أرباح هذه المؤسسات، مقابل أجر أو مكافأة.
ومما يزيد في تفاقم هذه الإشكالية ما يثار من وقت لآخر من انتقادات لأعضاء هذه الهيئات مثل التساهل في الفتاوى والمراقبة الشرعية ومحاباة البنوك وغيرها، بالرغم من التأكيدات المتكررة من إدارات المصارف على صدق النوايا والرغبة الصادقة في تطوير المصرفية الإسلامية وإحلالها تدريجيا محل المصرفية التقليدية.
كما أن تطوير بدائل للمنتجات القائمة يعتبر أكبر تحدي لأعضاء الهيئة الشرعية؛ إذ من السهل النقد والتحريم لبعض المنتجات لكن الأصعب هو تطوير بدائل مقبولة شرعاً، تفي بمتطلبات جميع الأطراف ذات العلاقة.
وفي ذات السياق تواجه الهيئات الشرعية بالبنوك التقليدية كذلك معضلة مدى استجابة وسرعة الإدارات المعنية في البنوك في تيسير عمل هذه الهيئات من خلال توفير المعلومات المطلوبة والعقود والاتفاقيات، وتسهيل الوصول إلى الأطراف ذات العلاقة من عملاء وموظفين وبنوك وشركات دولية، وتقديم الدعم اللازم لتطوير الآليات وإجراءات التنفيذ، وتدريب الموظفين ورفع مستوى توعيتهم بالمنتجات والخدمات الجديدة.
كما تواجه الهيئات الشرعية بالبنوك التقليدية تحدياً آخر يتمثل في نوعية عملاء هذه المصارف، فاستجابتهم وتقبلهم للمنتجات الجديدة تختلف حسب متطلباتهم المصرفية وطبيعة وحجم عملهم، فمتطلبات قطاع الأفراد هي بطبيعتها متواضعة قد لا تزيد كثيراً عن طلب تمويل استهلاكي، أو فتح حساب بنكي أو استثماري أو الحصول على بطاقة ائتمان.
لكن ما يميز هذه الفئة هو حرصها الشديد على التأكد من سلامة المعطيات الشرعية بما في ذلك سماع الفتوى مباشرة من بعض أعضاء الهيئة الشرعية.
أما بالنسبة لقطاع الشركات، فبحكم طبيعة وحجم التعامل مع أطراف دولية، فتجد صعوبة في تطوير بدائل تلبي متطلباتهم بنفس المرونة والسرعة المعهودة في المنتجات التقليدية، مما يخلق شيء من التردد وفي بعض الأحيان عدم اقتناع بالبدائل أو ربما عدم مبالاة، مما يصعب من دور ومسؤولية الهيئات الشرعية في توفير البدائل الملائمة وإقناع المتعاملين في هذا القطاع.
وتشير الدراسة كذلك إلى التصادم مع الأنظمة والقوانين؛ فالهيئات الشرعية كثيراً ما تصطدم ببعض الأنظمة والقوانين التي تتعارض مع أساسيات المصرفية الإسلامية، كما هو الحال في أدوات السياسة النقدية في البنوك المركزية وأدوات إدارة السيولة في البنوك، فهي جميعها تقليدية لا تقبل بها المصرفية الإسلامية، وهذا يحتاج إلى تفهم البنوك المركزية وتطوير أدوات وأوعية بديلة.
وفي أحيان أخرى، قد لا تتواجد البنى التنظيمية لتنفيذ بعض آليات المصرفية الإسلامية، كما في حالة الرهون والتقاضي أمام المحاكم الشرعية بالنسبة للبنوك.