في مثل هذه الظروف الحرجة، يتساءل المواطن البسيط عن أزمة الأسواق المالية وسبب استبعادها عن مؤتمرات التنافسية، والمؤتمرات الاقتصادية الأخرى. أليس من المفترض أن تكون أسواق المال القاعدة التي تنطلق منها شركات الإنتاج، وتعود إليها استثمارت الداخل والخارج لتعظيم الثروة وبناء قطاعات الاقتصاد. في مجتمع تتولى فيه الدولة مسؤولية البناء والتنمية،.....
وإطعام الأفواه، وعلاج المرضى، والتعليم العالي يختفي دور التنافسية الفاعل في تشكيل ثقافة المجتمع المنتج.
تتحدث (الهيئة العامة للاستثمار) كثيراً عن جذب الاستثمارات الأجنبية، ولا تلقي بالاً لتطوير السوق المالية التي يفترض أن تكون على علاقة مباشرة باستراتيجية الاستثمار الداخلية والخارجية. كيف نضمن نجاح قطاع الإنتاج دون أن نُحقق كفاءة السوق المالية المحلية؟ الاستثمارات الأجنبية التي لا يمكن للمواطن البسيط المساهمة فيها، أو الاستفادة منها، تبقى ملكا مشاعا لأصحابها، وإن نمت وترعرعت على أرض الوطن.
يخطئ البعض حين يعتقد بإمكانية تحقيق بيئة تنافسية استثمارية بمعزل عن سوق المال. أعتقد أن عناصر التنافسية لا يمكن استيفاؤها إلا من خلال إصلاح السوق المالية التي يفترض أن تكون الوعاء الوطني الذي يضم مجمل الاستثمارات العامة. الاقتصاد الناجح هو الذي يعتمد على سوق مالية كفؤة ، تمثل بالنسبة له القلب النابض الذي يضخ الدماء في شرايينه. عندما تغيب (تنافسية الأسواق المالية) عن خطط التطوير، ومؤتمرات البحث، واهتمام رجال المال والاقتصاد تأتي النتائج قاصرة، ومشوهة. لا يمكن للتنافسية أن تبنى على الهواء، بل يجب أن تكون لها قاعدة صلبة تنطلق منها في جميع الاتجاهات. المجتمع هو قاعدة التنافسية، وثقافته هي المحرك الحقيقي لها، وأسواق المال هي الوعاء الاستثماري الذي يمكن من خلاله تمويل، وإدارة الاستثمارات المالية وبناء قطاعات الإنتاج.
(عن أية تنافسية يتكلمون) بهذه الكلمات البسيطة علق أحد سكان الرياض على منتدى التنافسية الدولي الذي يعقد في مدينة الرياض. يُصر بعض الاقتصاديين على التعامل مع مجتمعاتهم وفق نظرة فوقية تحقق مصالحهم، وترضي رغباتهم، وتشبع حاجاتهم وإن انسلخ كل ذلك عن النتائج المرجوة لبناء المجتمع ودعم الاقتصاد، وتحقيق الغايات والأهداف الوطنية على أرض الواقع.
ما يحتاج إليه المجتمع هو زيادة في الإنتاجية، وخلق فرص وظيفية، وانعكاس البيئة التنافسية على حياة المواطن اليومية، وتحسين مستوى المعيشة والخدمات والأنظمة الإدارية، وتوفير المسكن المناسب، والقضاء على مشكلة الفقر. عندما تتحقق كل هذه المطالب يمكن للمواطن البسيط أن ينظر بفخر نحو مؤتمرات التنافسية التي أصبحت تمثل تجمعات (النخب الاقتصادية). التنافسية تبدأ من القاع لا القمة، وثقافة المجتمع هي الضامن لتحقيق التنافسية، وأفراد المجتمع هم المعنيون بهذه المؤتمرات، ويفترض أن يكونوا الهدف الرئيس لخطط (التنافسية).
يحق للمواطن البسيط أن يتساءل عن نتائج مؤتمرات التنافسية، والمؤتمرات الاقتصادية الأخرى طالما أنه لم ير بأم عينيه تغيرا يذكر في محيطه الاقتصادي، خاصة في قطاع الإنتاج وما يتولد عنه من خلق الوظائف للمواطنين. كنا وما زلنا مع نقل الخبرات، وعقد المؤتمرات، وتشجيع التواصل مع الثقافات الأخرى شريطة أن تترجم مخرجاتها إلى مشروعات تحقق مصلحة الوطن والمواطنين.
بين يدي توصيات مؤتمر اقتصادي كلف عشرات الملايين من الريالات لم تجد طريقها إلى التطبيق على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على إصدارها. الأمر ينطبق أيضاً على مؤتمرات التنافسية، التي باتت لا تضيف شيئاً يذكر للمجتمع. العام 1980 شهد بداية الانطلاقة الفعلية للتنافسية السعودية عندما وفرت الدولة، حفظها الله، (بيئة جاذبة للاستثمار لمستثمري الداخل والخارج) في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين. هناك بدأت الحكومة في تطبيق التنافسية على أرض الواقع. بعد أكثر من خمسة وعشرين عاما جنت الدولة نتائج غرسها الطيب، وأصبحت صادرات الجبيل الصناعية تمثل الحجم الأكبر من الصادرات غير النفطية.
(التنافسية) ممارسة حقيقية ملموسة على أرض الواقع، تتحول مع مرور الوقت إلى ثقافة مسيطرة على حركات المجتمع وسكناته. يمكن للمراقب أن يرى عناصر التنافسية الشاملة في مدينة الجبيل الصناعية بكل وضوح، ويبحث عنها فلا يجدها في وزارات الدولة ذات العلاقة بالصناعة، التجارة، والاقتصاد. بل ربما فقدها في تعامله مع بعض مسؤولي الهيئة العامة للاستثمار!!. الثقافة العامة في مدينة الجبيل الصناعية بنيت على أسس من التنافسية، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من المجتمع، بها يعمل الموظف البسيط ورئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع شخصياً. ممارسة التنافسية من قبل شرائح المجتمع الصناعي، ومستويات الهرم الإداري ضمنت تحقيق النتائج الإيجابية ودوران عجلة التنافسية دون توقف.
للأسف الشديد بدأت مؤتمرات التنافسية في التحول إلى (بهرجة) إعلامية عاجزة عن تحقيق نتائج ملموسة تسهم في تطوير المجتمع، وخلق بيئة تنافسية تحكمها الممارسات لا الشعارات المجوفة. أجزم بأن ما قاله خبراء العالم في مؤتمر التنافسية قد قاله الكثير من أبناء هذا الوطن، وتم نشره على مستوى الإعلام، ولم يلتفت له أحد؛ فقد قالت العرب (زامِر الحي لا يُطرب).
f.albuainain@hotmail.com