رغم سيطرة الأزمة المالية العالمية على المنتدى الثالث للتنافسية الذي اختتم أعماله الثلاثاء الماضي في الرياض إلا أن المتخصصون والخبراء لم يتفقوا على وصفة علاجية واضحة المعالم لهذه الأزمة وتأثيراتها على اقتصاديات المملكة أو المنطقة أو على المستوى العالمي، بل كانت مجرد اقتراحات تتفاوت من شخص لآخر، وركزوا في المنتدى على مسببات الأزمة ولم يتفقوا على خارطة طريق للنجاة من هذا النفق المظلم الذي يسيطر على العالم.
الأمر كان يتطلب تضافر كافة جهود المشاركين في المنتدى للخروج بنقاط تنفيذية محددة تقدم إلى العالم بأثره وتترجم كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي ألقاها نيابة عنه زير الشؤون البلدية والقروية الأمير متعب بن عبد العزيز عندما قال: إن الأزمة المالية العالمية تحتاجُ إلى تضافر جهود الجميع، والعمل بمسؤولية والتزام، من أجل الحدِّ منها وسرعة التعامل معها، وتطويق جميع آثارها المباشرة وغير المباشرة، والتي قد تمتدُ لفترة طويلة، ما لم تعمل جميع الدول والمنظمات ذات العلاقة نحو اتخاذ السياسات الملائمة، والتدابير اللازمة للتعامل مع هذه الأزمة بحس إنساني مسؤول.
وأضاف خادم الحرمين الشريفين قائلا: إن المملكة سوف تستمر في اتخاذ السياسات الاقتصادية الضرورية ليواصل اقتصادُها النمو، وللعمل على ضمان ذلك، ستواصل المملكة تنفيذ برنامَج الاستثمار الحكومي بالإنفاق على المشاريع والخِدماتِ الأساسية، وتعزيزِ الطاقةِ الاستيعابية.
الرياض - حازم الشرقاوي
فيما أوضح رئيس الوزراء الكندي الأسبق جان كريتيان قائلا: (كلنا نعاني من مشكلات جسام، تتطلب عمل المجتمع الدولي على حلها، معربا عن أمله في الاستفادة من مشكلات الكساد في الماضي لمواجهة تداعيات الأزمة. وأشار إلى أن الأزمة تتفاوت تأثيراتها، فالسعودية تواجه المشكلة أفضل من دول أخرى. وأكد وكيل وزير التجارة الإيطالي أدولفو أورسو أورسو أنه يجب على الرواد تحمل المخاطر، مضيفاً (أن الأزمة الاقتصادية لم تكن متوقعة وكل يوم تقدم لنا مفاجآت جديدة ويجب على الدول أن تتوحد لمواجهتها)، مشيراً إلى أن قطاع التصنيع والإنتاج يعد قطاعاً مزدهراً، متوقعا في الوقت ذاته أن يتعافى مع بداية عام 2010م.
التوازن والمسببات..
يعتقد رئيس مجلس إدارة المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامي أن المنهج الوسطي المتوازن هو الذي سيمكن من إدارة اقتصاد بلا أزمات يطلق طاقات المبدعين ويلجم نزوات المتلاعبين والأنانيين ويضمن مصلحة المجتمع ويلبي حاجة الطبقات المحتاجة وهو عنوان لازم وضروري لأيدولوجية اقتصادية عادلة في مجال إدارة دفة الاقتصاد والمصارف والأسواق المالية وأسواق السلع ومبادرات الإصلاح وخطط ومحاولات تخفيف حدة الفقر. وقال: إن المتأمل في مسببات الأزمة المالية يلحظ وبوضوح أن إدارة النشاط الاقتصادي بعيدا عن القيم الأخلاقية الإنسانية السامية كان عاملا حاسما ومهما في حصول وتفاقم الأزمة، وسندلل على ذلك من خلال عدد من الشواهد منها:
- إن ما حدث في الولايات المتحدة حيث انطلقت شرارة المشكلة كان سعياً وراء الربح والتوسع السريع في أي طريق في ظل منافسة شرسة بين المؤسسات المالية الكبرى، فارتفعت نسبة الإقراض مقارنة بحجم الودائع فكان من الطبيعي أن تظهر بوادر التعثر وانخفاض نسبة السيولة.
- كان من نتائج السعي نحو الربح السريع أن تم ضرب بعرض الحائط مبادئ أساسية لأصول التمويل المصرفي وهو جدارة العملاء والقدرة على السداد والموازنة بين المخاطر والربحية والعمل على الحفاظ على الاستقرار والاستمرارية.
- أرجع كثير من المحللين جانبا مهما من أسباب الأزمة إلى البيع على المكشوف والمشتقات ونحوها من المعاملات (الصفرية) وهي المعاملات تناقض الأسس الأخلاقية للتعامل بين الناس وتجعل النشاط الاقتصادي ميدانا للمقامرة والميسر تحت اسم تداول الأصول المالية، لا محللا للعطاء المتبادل والجهد المشترك كما أرادته الفطرة السوية.
- إن إعمال القيم والمبادئ الأخلاقية تؤدي إلى أن يقتسم المتعاملون أعباء وعائدات النشاط الاقتصادي، وأية علاقة تخالف هذا التوجه تختل فيها قواعد العدالة والعلاقات المتوازنة، والذي حدث أن إبان أزمة الرهن العقاري وانهيار الأسواق المالية غابت هذه الرؤية وسادت الأنانية والطمع، ومحاولة الربح السريع من خلال علاقات غير عادلة في تجاهل تام للأثر الكارثي الذي سيقع على المجتمع الإنساني.
- ظهرت وبوضوح معالم الفساد في الأزمة المالية في سلوك الأفراد والمؤسسات الاقتصادية في عدة مجالات منها تقدير قيمة الضمانات التي يتم بموجبها تقديم القروض ودور الرشا والمصالح المتبادلة في اتخاذ القرارات بمنح التمويل التصنيف والرقابة ودراسات الجدوى.
السياسة النقدية..
حدد نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر سبعة مسببات لحدوث الأزمة المالية، من بينها السياسة النقدية التي اعتمدتها بعض البنوك المركزية في ضبط أسعار الفائدة، وغياب الرقابة المسؤولة في الأسواق (الأمول)، والسلوك غير المسؤول لوكالات التصنيف الائتماني، والخلط بين رفع الرقابة على الأسواق وإلغاء الضوابط، حيث يشير الجاسر إلى أن المطالبة برفع رقابة الحكومات على الأسواق قادت في بعض الدول إلى إلغاء الضوابط المنظمة للأسواق وهو ما قاد مع بقية العوامل إلى هذه الأزمة. وقال: إن المشكلة الحالية ليست في نقص السيولة (السيولة متوافرة)، لكن في تآكل رساميل البنوك التي توسعت في القروض عالية المخاطر وبالتالي عجز المقترضين عن السداد.
اقترح الجاسر لعلاج هذه الأزمة مزيد من التنسيق العالمي في السياسات النقدية، وإدارة مالية أفضل واتفق معه توماس روسو نائب رئيس مجلس إدارة ليمان برودرز في ضرورة الحاجة إلى سياسات مالية متزنة حول العالم, وكذا إعادة الثقة للناس في الأسواق، لمعالجة الأزمة. لكنه توماس يلمح إلى جانب مهم وهو إحجام البنوك عن الإقراض. و يتابع - على سبيل المثال - 70% من الناتج الأمريكي يستند إلى الاستهلاك، وفي حال توقف البنوك عن الإقراض فإن ذلك يعني انخفاض الاستهلاك، وقال وستيفان باليوكا (العضو المنتدب لشركة بان كابتيال المحدود: إن الشرارة الأولى للأزمة انطلقت من تعثر 70% من المقترضين للمساكن في أمريكا عن السداد، لكنه يعتقد أن معالجة الأزمة يجب أن تبدأ بمعالجة ملكية هذه المنازل فمن غير المناسب ولن يكن حلا إنسانياً وليس اقتصاديا أن يرمى هؤلاء المتعثرون في عرض الشوارع لإعادة الأصول إلى البنوك مع ضرورة دفع البنوك نحو الإقراض (في أمريكا) لتحفيز النمو الاقتصادي.
الانكماش..
توقع الرئيس التنفيذي لشركة نيسان لصناعة السيارات كارلوس غصن أن مبيعات السيارات ستنكمش عالمياً بنسبة 14% في 2009 بسبب الأزمة المالية العالمية وذلك بعد تراجع بنسبة 9% السنة الماضية. وذكر غصن أن سوق السيارات ستشهد عمليات دمج بين الصانعين خلال الأشهر المقبلة وأن تعافي السوق لن يبدأ قبل 2011م. وقال في هذا السياق (سيكون هناك انكماش طويل (..) وما من شك أن العالم سيشهد المزيد من عمليات الاندماج) بين شركات السيارات. وتوقع غصن أن تصل مبيعات السيارات في 2009 إلى 55 مليون سيارة اي بانخفاض نسبته 14% عن 2008 التي بيع خلالها 63 مليون سيارة. وقال: الرقم المسجل في 2008 منخفض كذلك بنسبة 9% مقارنة بنتائج سنة 2007 التي بيعت خلالها 69 مليون سيارة على مستوى العالم. وأدت الأزمة المالية العالمية إلى الحد من القروض المالية الخاصة بشراء السيارات علماً أن حوالي ثلثي مشتري السيارات على مستوى العالم يعتمدون على القروض.
وقال رئيس شركة ايرباص توماس اندرز في الجلسة نفسها: (المشكلة التي تعترض قطاع السيارات هي نفسها ما يعترضنا في قطاع الطيران، وهي التمويل من قبل المصارف، إضافة مشكلة سعر الصرف وتحديداً الدولار)، مؤكداً على وجوب التحقق من المشاريع التي نقوم بها في المستقبل، وهمنا أن نكون الأفضل في العالم وليس في أوروبا فقط).
أما رئيس شركة اتصالات الإماراتية محمد حسن عمران فقال: (يجب التركيز حالياً على خفض التكلفة ويجب عدم نسيان أننا نعتمد كثيراً على بائعي التكونولوجيا، وسوقنا لا تزال تحتاج الكثير، وأن ماحدث من مشكلات مالية لم يكن مسؤولاً).
ضبط أسواق المال..
أوضح رئيس مجلس إدارة يوبي إس إيه جي بيتر كورير، أن آثار الأزمة المالية العالمية على شركات الخدمات المالية كانت متفاوتة، إذ يجب عليهم إيجاد طرق مناسبة عن طريق تخفيض مصاريفها، وأشار إلى أنه من الضروري زيادة عمليات الضبط والرقابة بطرق مختلفة على رأس المال والسيولة، وإدارة المخاطر، وصناعة الخدمات المالية المتعلقة بالصناعات، وأنه سيتم إصدار سندات جيدة مع المصارف التي تعاملت بشكل صحيح مع الأزمة العالمية.
وذكر الرئيس التنفيذي لشركة بوز وشركاه شوميت بنيرجي، أن ظهرت أصوات تتحدث عن آلية تبادل ومراقبة العائد المالي الأمر الذي يدعي للتخوف منها، فيما أن بعض الدول أنجزت إجراءات مالية أفضل خصوصاً على رأس المال، مشيراً إلى أن الشركات الجيدة تأخذ وقت طويل للعمل.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة الأعمال العالمية بيتر شوارتز: (الأزمة المالية العالمية ستصل إلى قطاعات أخرى، لذا يجب وجود تعاون بين الدول على مستوى القطاع العام والخاص، إذ مازالت مشاكل كبيرة في قطاع الإسكان، والطاقة، والغذاء، وقد نرى انهيار في قطاع النفط(، لافتاً إلى ضرورة مواجهة الجرائم الإلكترونية لتجنب التقليل في فعالية الشبكات المالية والمعلوماتية.
وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة ديلويت جيمس أي. كويلجي، أنه يوجد فشل في إدارة المخاطر، إذ إن من الممكن حدوث زعزة اجتماعية تؤدي إلى فقد سيطرة القانون، مشيراً إلى أنه يجب أن نكون منسجمين مع تدخل الدول في الشركات من خلال النظر إليها كمحفز للتعامل مع الحكومات بطريقة فعالة وبناءة.
تراجع النمو الخليجي..
يتوقع منسق صندوق النقد الدولي في لبنان سعد شامي في مؤتمر بأبوظبي عقد الأسبوع الماضي تباطؤ النمو الاقتصادي في دول الخليج إلى 5.1% عام 2009 بالمقارنة مع حوالي 7% في 2008. وقال: إن الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي سيكون 5.1% في 2009 مقابل 6.8% في 2008م. لكن من الممكن أن يشهد مزيداً من التراجع بدرجة أخرى بسبب الظروف الاقتصادية العالمية المتدهورة. من جهة أخرى خفض الصندوق توقعاته للنمو العالمي في 2009 مرة أخرى ليتراوح بين 1% و1.5% مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. وكانت أحدث توقعات للصندوق والتي صدرت في نوفمبر تتعلق بنسبة 2.2% للنمو. وقال نائب مدير صندوق النقد الدولي لقسم الأسواق النقدية والرأسمالية إكسيل برتوتش صمويلز (ستصحح النسبة لما بين واحد إلى 1.5% في 2009م). وأضاف (تدهورت فرص النمو الاقتصادي العالمي في الشهور القليلة الماضية وتراجعت ثقة المستهلكين والشركات إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود وانخفض النشاط أيضاً بصورة حادة.( مشيراً إلى أن عام 2009 سيشهد تحديات هائلة للاقتصاد العالمي.
إلغاء مشاريع..
في مؤتمر التمويل بدبي قال مديرو تمويل مشاريع إن من المتوقع تأجيل أو إلغاء المزيد من المشاريع في منطقة الخليج هذا العام مع تأثر البنوك بتبعات الأزمة المالية العالمية. وأكد مصرفيون أن الصفقات التي ستبرم هذا العام ستكون لفترات أقصر مما كانت عليه قبل أزمة الائتمان وقيمتها أقل. وقال ديريك روزيكي مدير تمويل المشاريع والمؤسسات في شركة مبادلة للاستثمار في أبو ظبي (الكيانات التي ستتمكن من إبرام صفقات هي شركات التنمية العقارية الكبرى والممولون الذين تربطهم علاقات قوية بالبنوك). وقال: جعلت الطفرة النفطية التي استمرت ستة أعوام تمويل المشاريع أهم نشاط للبنوك في منطقة الخليج التي شهدت سيلا من مشاريع الطاقة والبنية التحتية. وتلاشت الطفرة في أواخر 2008 نتيجة الأزمة المالية التي أدت بدورها لإلغاء مشاريع وتأجيلها في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم. ففي البحرين تأجل مشروع الدور لإنتاج الكهرباء والمياه الذي يتكلف 2.2 مليار دولار وتملك مؤسسة الخليج للاستثمار 50 في المائة من المشروع وتملك النصف الثاني شركة جي دي إف سويز الفرنسية نتيجة لتشدد معايير الحصول على قروض من بنوك عالمية. ويعود هذا أيضاً إلى التراجع الحالي في التكلفة الرأسمالية للمشاريع وانخفاض أسعار السلع بينما يواجه المتعاقدون منافسة أشد على مشاريع أقل بأسعار أرخص. وقدر دارين ديفيز الرئيس الإقليمي لتمويل المشاريع في بنك إتش إس بي سي، أن التكلفة الرأسمالية ستنخفض بين 40 إلى 50 في المائة من مستوياتها القياسية في العام الماضي مما يدفع ممولي المشاريع الضخمة للانتظار إلى النصف الثاني من العام للاستفادة من انخفاض التكلفة.