بانتخابات المجالس المحلية لمحافظات العراق، يكون هذا البلد في طريق العودة لما كان عليه، بعد أن تعرّض خلال العقدين الماضيين للعديد من المآسي والحروب والمشاكل، أرجع هذا البلد الغني بخيراته، والحافل بإمكانياته الوافرة الإنسانية ومكانته المميّزة بموقعه الاستراتيجي إلى الوراء، وردّ أهله إلى حياة القرون الوسطى، ورمى العراق، الدولة التي كانت إحدى الدول المهمة والمحورية في المنطقة، إلى الوراء، وجعله دولة من دول الدرجة الثالثة أو الرابعة، بل وحتى التهديد الجدِّي ببقاء العراق ككيان ودولة، بعد أن استباحته جيوش الغزو ثم الاحتلال .. وبما أنّ الاحتلال لم يقتصر على الجيوش المنظمة من الجيشين الأمريكي والبريطاني إذ تبعتهم جيوش من سمّوهم بالحلفاء من القوات الدولية.

الاحتلال اتّسع لغزو فرق المخابرات الدولية، وجماعات الإرهاب، ومليشيات الغرباء الذين تدثّروا تحت أردية الطائفية ليعيثوا فساداً في كلِّ أرجاء العراق، خدمة لمصالح إقليمية لم تغب عن بعض من يتابع التخريب في العراق الذي تحوّل إلى ساحة كبيرة، مارس على أرضها كلُّ المخربين أدواراً معظمها لغير صالح العراق والعراقيين.

هذا البلد العظيم يستعد اليوم لاجتياز مفصل مهم في إعادة العراق إلى مكانته ووضعه الطبيعي، فالانتخابات المحلية لمحافظات العراق، ستؤدي إلى تشكيل إدارات محلية هي بمثابة حكومات فدرالية ستهتم بإدارة الخدمات التي يحتاجها المواطنون، وتفعيل الأجهزة التي تعطّل أكثرها بسبب الإدارة غير الاحترافية التي حصلت بسبب إسناد إدارة المحافظات، كما في بعض وزارات الحكومة المركزية، إلى أشخاص غير مؤهّلين أتوا عن طريق المحسوبية الحزبية والانتماءات الطائفية، وعزوف طائفة رئيسة من مكوّنات الشعب العراقي عن المشاركة في العملية السياسية.

الآن يشارك في انتخابات المحافظات كلّ مكوّنات الشعب العراقي، في ظلّ التحسن النسبي في الأمن، وتحسن أداء الحكومة ورئيسها الذي يحاول أن يكون محايداً، ولهذا فإنّ المتوقع أن تفرز الانتخابات (فريقاً حاكماً) أكثر احترافية، وأكثر تمثيلاً لمكوّنات الشعب العراقي، مما يؤدي إلى اشتراك الجميع في إدارة الحكم المحلي في العراق، كمرحلة مهمة لانخراط الجميع في العملية السياسية، ينهي أسلوب حكم انفراد الطائفة الواحدة بحكم العراق .. وابتزاز الطائفة الأخرى وتوظيفها شهية الحكم لدى الطائفة الأولى، لتحقيق مكاسب عرقية تمهِّد لتفكيك العراق.

ولذا فإنّ موقف رئيس الحكومة وتشديده على أهمية وحدة الأرض، ورفضه لكلِّ مشاريع التقسيم تحت غطاء الأقاليم، يظهر أنّ العراق في طريقه إلى العودة إلى وضعه المعتاد.