تكاد تتطابق مواقف جميع الرؤساء الأمريكيين من أول خطاب رئاسي إلى آخر يوم في البيت الأبيض عن قضية فلسطين، وينم ذلك عن وجود موقف سياسي موحد، لا تتخلف كثيراً كلماته، ولا تتبدل مبادئه مهما اختلف توجه الرئيس الحزبي، وقد تشعر أحياناً أنك أمام نفس الرئيس، لكن بهيئة جديدة ونبرة صوت مختلفة..
قد تجد فكرة المؤامرة موقعاً خصباً لها حول هذا الموقف، قد يصل إلى حد الاعتقاد في أن المرشح للرئاسة الأمريكية لا يمكن أن يخطو إلى الأمام في طريق الرئاسة قبل أن يوقع وثيقة ضمان أمن إسرائيل وحقها في التفوق العسكري على جيرانها العرب، وأن تظل دولة بلا حدود، وقابلة للتوسع ولاستيطان الأراضي العربية.. وأيضاً على حق امتلاكها لسلاح الجو في الشرق الأوسط، وقرار ضرب أي منطقة في العالم العربي والإسلامي إذا ثبت أن على أراضيها ما يعتبر تهديداً لتفوقها العسكري.
لذلك لا أعتقد أن يجرؤ رئيس أمريكي جذوره إفريقية أن يخالف هذا التواتر المنتظم في الموقف الأمريكي من قضية فلسطين، ولا أحسب أن إنسانيته التي يتحدث من خلالها قادرة على إعادة الحق التاريخي لأهل فلسطين، فالإنسانية تنتهي في الخطاب السياسي الأمريكي والإعلامي إذا وصلت قريباً من حدود فلسطين التاريخية، عندها تظهر لغة لا تعترف بإنسانية أهل هذه الأرض المقدسة، وتتحدث عن حق إسرائيل المطلق في الدفاع عن وجودها الذي يعيش فوق مقابر وأراض وذكريات أهالي الأرض الأصليين..
لكني مع ذلك سأترك قليلاً من الثقة عند السيد أوباما ليثبت لي وللعرب خطأ هذا الاعتقاد، وهذا لا يجب أن يُفهم أنني ضد شد الرحال إلى البيت الأبيض كلما ظهر رجل جديد فيه، فالعلاقة مع الولايات المتحدة ستستمر من أجل مصالحنا الإستراتيجية في نواحي التقنية والاقتصاد والتعليم وغيرها، لكن قضية فلسطين لن يكون لها مخرج من البيت الأبيض، وسيظل الحل الحقيقي، وكما علَّمنا التاريخ، يكمن في قدرتنا على تجاوز ضعفنا المزمن أمام التحدي الصهيوني للعرب..
ولو استعرضنا تاريخ الرؤساء الأمريكيين حول فلسطين لوجدناه لم يتبدل منذ جون آرامز إلى جورج بوش الابن؛ ففي عام 1818م طالب (جون آدامز) رئيس الولايات المتحدة بأن يصبح اليهود أمة مستقلة، هذا في وقت لم يزد فيه عدد اليهود عن أربعة آلاف في فلسطين، ولم يكن هناك لوبي يهودي أو صهيوني في واشنطن..
وفي عام 1917 أعلن الرئيس الأمريكي (ويلسون) عن موافقته على فحوى وعد بلفور ودعمه للمشروع الصهيوني، لتحويل فلسطين إلى بلد تابع للتشكيل الحضاري والسياسي الغربي لتصبح جزءاً من الاستراتيجية الغربية العامة، وفي عام (31 أغسطس 1945م) كتب الرئيس الأمريكي ترومان لرئيس الوزارة البريطانية طالباً منه أن يفتح أبواب فلسطين لليهود وأن يسمح لمئة ألف منهم كي يدخلوها بأمان..
وفي عام 1947 أجرى الرئيس الأمريكي ترومان اتصالاً هاتفياً شخصياً بمندوب الولايات المتحدة الذي أصدر فيما بعد تعليماته للوفد الأمريكي بإبقاء النقب والعقبة ضمن نصيب اليهود..
كان آخرها ما أقدم عليه الرئيس جورج بوش الابن في مطالبته بإلغاء حق العودة للفلسطينيين، بعد أن خرق كل الثوابت المتعارف عليها دولياً حول قضايا الحل النهائي حين دعم إبقاء مستوطنات في الضفة الغربية، والتخطيط لحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة، ووصف البعض الموقف الأمريكي على أنه إحياء جديد لوعد بلفور، عام 1917م، الذي أعلنت من خلاله بريطانيا آنذاك فيها عن تعاطفها مع الأماني اليهودية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين..
ولكي نفحص بدقة الموقف الأمريكي، علينا في أقرب فرصة إعلامية أن نسأل فخامة الرئيس باراك أوباما عن موقفه من حق العودة للاجئين، وهل يعتبره أمراً إنسانياً ومطلباً مشروعاً، أم أنه يخضع للمساومات ولمفاوضات الحل النهائي المؤجل لأجل غير مسمى.