طالبتي الشقية.. المسماة فاطمة وأسميها أنا فاطمة الجميلة لا تكف عن طرح الأسئلة وإثارة الغبار في وجوهنا عند طرح دراستنا لأي فلسفة أو تصور نظري للقضايا التربوية... هي لا تملك الكشف عن نفسها (فيما يبدو؟؟!) لكن ما تطرحه يستحق التوقف بل التصفيق وحين أثرنا الأسئلة الحرجة حول ثقافة التغير والاختلاف قدمت هذه المقاربة التي أود أن أشرككم معي فيها... فهي حقا تستحق التأمل..
تعيش بلادنا الحبيبة - والله الحمد - نهضة عمرانية كبيرة نجد آثارها في كل ما تقع عليه العين من مبان شاهقة وحدائق جميلة وميادين فسيحة وأحياء نموذجية وشوارع؟؟؟ شوارع.. لا ادري ماذا.. فهي متفاوتة في الطول والعرض والتشجير والأهمية والثراء الخ؟؟ وقد توقفت عند وصف الشوارع دون غيرها مما سبقها من مظاهر لقربها من قلبي.. أليست الشوارع وسائط تربوية؟! فماذا يفعل أبناؤنا في الشوارع؟ وإذا كان الابن يقضي وقته في المدرسة ونصفه الآخر في الشارع فأيهما أكثر تأثيرا عليه وعلى مستقبله الوظيفي؟
وإذا كان لنا أن نبدأ فليكن بتصنيف الشوارع طبقيا ولتكن البداية في شمال الرياض حيث الشوارع رغم سعتها وجمالها وكثرة أشجارها تشكو من الهجر ولا تجد من يلعب فيها أو يأخذ لفة فلا يعرفها الطالب إلا بنظرة من خلف زجاج النافذة وذلك - كما أظن - بسبب الأهل الذين يفكرون في مستقبل أبناءهم وطريقة قضائهم لأوقاتهم التي يحاولون شغلها بكثير من الأنشطة التربوية اللامدرسية التي تنمي عقولهم ولغتهم وتغذي مشاعرهم وتصرف طاقاتهم فهناك الكمبيوتر وملحقاته من الألعاب الترفيهية داخل المنزل وهناك المسابح الداخلية والخارجية ومراكز تعليم الحاسب واللغات والأندية الرياضية والمعارض.. الخ وهناك الرحلات السياحية داخل البلاد وخارجها... والخاسر الوحيد هو ذلك الشارع النظيف المشجر الذي لا يجد من يواسيه سوى السائقين الذين يكافحون ذرات الغبار على سيارات العائلة بالغسيل المتواصل.
النوع الآخر من الشوارع هي تلك المليئة بالسيارات وبالمشاة من الرجال والسيدات... شوارع ضيقة متآكلة، فقيرة كأهلها مهملة كأبنائها وهي على ما فيها من عيوب محبوبة ومرغوبة لا يكاد يعبرها الشباب حتى يعودوا إليها في إقامة شبه دائمة منذ خروجهم من المدرسة وحتى منتصف الليل يلعبون فيها ويأكلون ويتحادثون ويتصارعون وينقسمون أحزابا وفقا للسن أحيانا وأحيانا وفقا لأمور أخرى!!!؟؟؟
لقد تساءلت مرة وأنا اعبر تلك الشوارع وأتأمل ساكنيها: ترى أي نوع من الوظائف ينتظرهم في المستقبل؟؟ ما مصير خريجي الشوارع؟؟؟
ما أظنه هو أن خريج الشوارع النظيفة التي لا يراها إلا من نافذة السيارة سيكون قادرا على إكمال دراسته والحصول على وظيفة راقية تليق بشهادته وسوف يباركه المجتمع ويسعد به ويفخر بنجاحه فثيابه النظيفة لم تعلق بها قاذورات الشوارع ولسانه الطاهر لم تدنسه شتائم أبناء الشوارع...
أما خريجي الشوارع الأخرى فليسوا سواء: منهم خريج (النسيم والدخل المحدود) الذي تعب من حياة الشوارع كبر عليها وقرر أن يصبح رجلا فرحبت قبيلته بعودته الميمونة، أسرع أمير الجماعة بالتوسط له للحصول على وظيفة (جندي) في الحرس وهي وظيفة معقولة تحظى باحترام في الشارع الذي تخرج منه وراتبها يضمن له حياة كريمة.. أما خريج شوارع (الشفا) فقد أعلن توبته النصوح (وطاح على ربه) وترك عنه الهجولة وما رافقها فاستبشرت حمولته الطيبة بما أنعم الله عليها من هداية أحد أبنائها الضالين ليتمكن فيما بعد وبتوفيق من الله وحده - وبمساعدة بسيطة من حمولته تمثلت في خطابات تزكية يضمها ملفه الأخضر تشهد بصلاحه وتقواه - من العثور على وظيفة حكومية على المرتبة الرابعة فأقل أو - إن أكرمه الخالق - فسيجد بمساعدة نحسبها أيضا بسيطة من العمل كمؤذن أو داعية في وزارة الشؤون أو عضو في الهيئة أو كاتب في إحدى المدارس الابتدائية بما يضمن له دخلا يمكنه من العثور على زوجة والاندماج في المجتمع والظهور بوجه طليق في مناسبات العائلة وسوف يراه الناس والحمولة من حوله بعد أن منَّ الله عليه بالهداية ويعجبون به ويضربونه مثلا لأبنائهم الصغار باعتباره شخص ولد من جديد.
أما خريج شارع عشرين في منفوحة فهو متماد في غيه وضلاله غير قادر على الشعور بخطيئة التجول في الشارع يكبر وتكبر معه الرغبة في قضاء جل وقته في شارعه - لذلك تجد المقيمين في ذلك الشارع من مختلف الأعمار - وهو أن أراد العثور على مصدر رزق كريم فلن يجد قبيلة ترفعه على أكتافها ولا حمولة طيبة تمرر أوراقه بتزكياتها فيلفظه المجتمع ويرغمه على العمل في مهن ذات دخل ضئيل ومهما أثبت جديته في عمله وحرصه على مصدر رزقه يظل حقيرا في نظر المجتمع فلا يستحق أكثر من هذه المهنة ليقضي جل حياته حارسا لمنشأة أو سائقا لحافلة أو عاملا في شركة أمنية أو بائعا في الحراج.. وتلك قمة العدالة الاجتماعية إذ كيف يمكن أن يحصل على أفضل من ذلك وهو خريج شارع عشرين بمنفوحة؟؟؟؟؟؟!!!
وبعد أيتها الفاطمة الجميلة. أين نقع نحن الإناث من جغرافية المكان داخل هذه الشوارع؟ سؤال آخر يستحق الكتابة.. ثم قراءنا من الذكور.. إلى أي الشوارع تنتمون؟؟؟