جلس الابن مع والده أمام مثيرة الفتن - قناة من تلك القنوات- وهي تعرض مباشرة صور المتظاهرين، في بعض العواصم والمدن، ومن حرصها على كل مخالف وما فيه إساءة وإثارة، قسمت شاشتها وما هي إلا كما ذكرت لجنة الإفتاء: مظاهرات غوغائية لا تحترم مالا ولا نفسا ولا عرضا ولا تمت للإسلام بصلة.
سأل الابن والده: أبي! لماذا القناة لا تعرض مظاهرات السعودية؟
الأب: يا بني! ليس عندنا في السعودية مظاهرات.
الابن: ولماذا يا أبتي؟ وهل هم أحرص منا على نصرة إخواننا؟
الأب: لا يا بني. نحن نحرص على سلامة ونصرة إخواننا المسلمين في كل مكان، ونساعدهم، وندعو الله لهم في مساجدنا، ونجمع لهم التبرعات، ونحس بآلامهم، ونتمنى ألا يشاك مسلم منهم بشوكة ولكن هذه المظاهرات ليست من الدين، وأفتى العلماء بعدم جوازها شرعاً، بل هي كما ذكر فضيلة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- هي من عادات الكفار، وليست من عند المسلمين، وليست من الدين في شيء، وينتج عنها سفك الدماء وهتك الأعراض والتسلط على السنة وأهلها.
قاطع الابن والده: انظر أبي، إنهم يتجهون إلى سفارة العدو، يريدون إحراقها وتكسيرها، يا ليتني معهم، لأفعل شيئاً في سبيل نصرة إخواني المستضعفين هناك.
قال والده مبتسما: أحيي فيك شجاعتك، وبغضك لأعداء دينك، ولكن يا بني هل سمعت ما قاله الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن المظاهرات؟
تنهد الابن سائلاً الله لابن باز الرحمة والمغفرة وقال: ماذا قال؟
قال الوالد يقول الشيخ -رحمه الله- عن المظاهرات: إنها قد تسبب شراً عظيماً على الدعاة فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن، فتصبح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الابن: إذاً الشيخ ابن باز لا يرى المظاهرات!
الأب: نعم يا بني. وهناك أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله- يرى عدم جوازها.
الابن: وماذا قال عنها؟
الأب: سأله سائل في أحد لقاءاته عن الحاكم الذي يحكم ما أنزل الله ثم يسمح لبعض الناس بعمل مظاهرة تسمى عصامية مع وجود ضوابط يضعها الحاكم نفسه، فتكون المظاهرة بإذن من الحاكم هل يجوز هذا شرعاً؟
فكان جواب الشيخ للسائل كالتالي: عليك باتباع السلف، إن كان هذا موجودا عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء إما على الأعراض، وإما على الأموال وإما على الأبدان لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، فالمظاهرات كلها شر سواء أذن بها الحاكم أمك لم يأذن، وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي وأنه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف.
الابن: انظر أبي إلى الشاشة، إنهم فقط يرددون الهتافات، ولم يحدث منهم شيء مما ذكر الشيخ.
قبل أن ينهي الابن حديثه، وإذا برجال الأمن ومعهم الغاز المسيل للدموع، وخراطيم الماء الحار، يعملون على تفريق المتظاهرين لأنهم يحاولون اقتحام السفارة وتحطيم محتوياتها.
الابن: أبي صدق الشيخ.. صدق الشيخ.. إنهم...
الأب: يا بني إن العلماء ينظرون بنور من الله، وتتحكم بهم الأدلة، وغيرهم تتحكم به العواطف ويعصف به الحماس غير المنضبط بضوابط الشرع.
الابن: الحمد لله أننا في هذه البلاد التي تحكم بشرع الله، وتعمل بفتاوى العلماء.
* حائل