الرياض - خاص بـ(الجزيرة)
في ظل التكالب على الإسلام، والهجمة الشرسة على المسلمين، وتصويرهم بالعنف والتطرف والإرهاب، والحملة الشرسة التي طالت الجاليات المسلمة في الغرب، ومحاولة التضييق عليهم، واتخاذ الإجراءات ضدهم بسبب الاسم أو الشكل، كيف يمكن مواجهة هذه الهجمة؟ وهل هناك تصور مستقبلي لمواجهة هذه الحملات الظالمة؟ وهل أثرت هذه الدعاوى المغرضة على نفسية (بعض) المسلمين؟ طرحنا هذه الأسئلة على عدد من المفكرين فماذا يقولون:
في البداية يقول عضو المجلس الإسلامي الأعلى في تونس الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي: إن التكالب على الإسلام ليس بالجديد، إنه قديم موغل في تاريخ الإسلام منذ أن بعث به نبينا وسيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - ولكن هذا التكالب لم يزده إلا انتشارا حيث عمت رسالة الإسلام الآفاق القريبة والبعيدة في فترة زمانية قصيرة جدا ولم يكن ذلك بكثرة العدد أو العدة وإنما بانسجام وتطابق تعاليم الإسلام مع الفطرة التي فطر الله عليها الناس جميعا بمختلف أجناسهم وألوانهم وفئاتهم ولغاتهم إنه دين الرحمة أرسل به نبي الرحمة - عليه الصلاة والسلام - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
والتكالب على الإسلام اليوم يتخذ صورة حادة جدا إذ لا نكاد نجد موضعا فيه مسلمون وليس فيه مشكلات تصل في بعض الأحيان إلى درجة التصادم، والمسلمون هم الضحية وهم من يتسلط عليهم الظلم والاضطهاد! ووراء كل ذلك تخويف من الإسلام والمسلمين تذكيه أطراف خفية حيث يظهر الإسلام في مظهر الخطر الداهم الذي يتهدد كل المكاسب التي تحققت للإنسان في مختلف المجالات والميادين، فالإسلام هو في زعم هؤلاء المحرضين دين التعصب والإرهاب والعودة إلى الوراء بمعنى التخلف والانغلاق!! هكذا بدون برهان ودليل مقنع في تحامل مقصود يستند دائما على تصرفات فردية غير مسؤولة يحمل الإسلام والمسلمون جريرتها في تعميم ظالم غير منصف، فالتجرد والموضوعية يغيبان عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين! المسلمون هم الخطر الذي ينبغي الوقوف في وجهه ومن هذا التصور المخطئ والمتحامل نادى البعض بالحروب الاستباقية تحت عنوان مكافحة الإرهاب، بينما هي في الحقيقة والواقع محاربة الإسلام. إن الإسلام في حقيقته وفي واقع وممارسات أغلبية المسلمين، هو دين الرحمة بكل خلق الله تعالى، وما خلق الله تعالى إنسانا وحيوانا ونباتا وبقية مكونات الحياة، ومن شاء دليلا وبرهانا على ذلك فما عليه إلا أن يقرأ وصية الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه للجيش الخارج للفتح حيث يقول: (لا تقتلوا الأطفال والشيوخ والنساء لا تحرقوا الأشجار لا تقتلوا الحيوان ستجدون أناسا نذروا أنفسهم في جوامع لعبادة الله فاتركوهم وما نذروا أنفسهم إليه).
الهزيمة الحقيقية
ويؤكد المستاوي أن هذا التكالب على الإسلام لا موجب له وهو من ناحية أخرى لا ينبغي أن يزعج المسلمين أو يربك مسيرتهم أو يصيبهم بالإحباط النفسي فينهارون وذلك هو ما يريده المتكالبون على الإسلام فالهزيمة الحقيقية هي الهزيمة النفسية والمسلمون المؤمنون بربهم لا يجوز لهم أن ييأسوا أو يقنطوا من رحمة الله وروحه وتاريخهم يشهد وكذلك تاريخ كل رسالات السماء ودعوات الإصلاح بأن التكالب لقوى الشر لم يمكنها من بلوغ غاياتها، فالحق يعلو ولا يعلى عليه وكثيرة هي الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي ترسخ الإيمان بالله والثقة القوية به سبحانه وتعالى، لقد كتب الله لنفسه ولرسوله وللمؤمنين العزة وقال جل من قائل: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} لا يجتمع الإيمان واليأس في قلب المؤمن، المسلم يأمل ولا ييأس ولا يقنط والإسلام دين الأمل والعمل وشعار المسلم (الحياة عقيدة وجهاد) إنه مجاهدة للنفس وللشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر.
إن مستقبل المسلمين بإذن الله ووعده الذي لا يتخلف مستقبل واعد وليس فيما أقول تفاؤل مفرط، نعم إن واقع المسلمين صعب جدا على مختلف المستويات وفي كل المجالات والميادين! ولكن ميزة الإسلام وعظمته هو ما يتضمنه هدية من تجدد ذاتي وفقا لقوله جل من قائل في كتابه العزيز: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فالإسلام حق والحق يعلو ولا يعلى عليه الإسلام في كتابه (القرآن الكريم) جديد متجدد لا تنقضي عجائبه ولا يمل على كثرة الرد والتكرار، القرآن الكريم المحفوظ بعهد الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
القرآن الكريم هو الحصن الحصين الذي يحمي المسلمين من الذوبان والضياع وهو الكفيل بجهودهم أمام التحديات التي تواجههم فإذا تمسك المسلمون بكتابهم فلن يضلوا ولن يصل المتكالبون عليهم إلى مبتغاهم ومرادهم. القرآن الكريم الذي بينته سنة سيد الأنام - عليه الصلاة والسلام - هما لكفيلان بجعل المسلمين يواجهون امتحان التحديات الضارية.
إن فهم تعاليم الإسلام الفهم العميق البعيد المدى المواكب للمستجدات في اجتهاد متواصل تجسيما لمقولة الإسلام صالح لكل زمان ومكان والحرص الشديد على المصداقية والتطابق بين القول والفعل والشعار والممارسة ذلك هو الحل وهو العلاج لحل المشكل: التكالب على الإسلام من ناحية، والشعور بالإحباط النفسي من الواقع المؤلم للأمة والتحديات التي تواجهها، الاعتزاز بالإسلام والوفاء الصادق والجاد لمبادئ الإسلام السمحة.
التكالب على الإسلام
ويقول الدكتور عصام بن عبدالمحسن الحميدان الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران: إن التكالب على الإسلام ليس أمرا جديدا، بل هو مذكور في كتاب الله تعالى في قوله سبحانه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وهذا معناه أن يحاولوا التكالب على الإسلام حتى يردوا المسلمين عن دينهم ولن يستطيعوا ذلك، فالكيد للإسلام والمسلمين أمر قديم، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم طافحة بذلك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قيل: أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: لا، أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل وينزع الله من صدور عدوكم المهابة منكم ويقذف في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
وفي ظل واقع الغثائية يبالغ بعض الناس باليأس من النجاة، وغلبة الكفر، وأفول الإسلام، وتراجع أهله، وهذا مسلك مخالف للقرآن والسنة وواقع الحال.
فالقرآن الكريم يبشر المؤمنين بأن النصر والغلبة لهم في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ(171)وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}، وقال سبحانه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، وقال عز وجل: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.
والنبي صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه وأمته بانتشار الإسلام وسلطانه على الأرض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يبقى بيت مدر أو وبر إلا أدخله الله الدين)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها)، وبشر صلى الله عليه وسلم بفتح رومية في آخر الزمان بعد القسطنطينية.
والواقع يشهد بانتشار الصحوة الإسلامية في كل العوالم، وقد تقدم الإسلام اليوم حتى صار الدين الثاني بعد المسيحية، إن صحت الإحصاءات، وسيكون الدين الأول، يقول المؤرخ البريطاني المشهور برنارد لويس: إن أوروبا ستصبح قارة ذات أغلبية مسلمة في نهاية القرن الحادي والعشرين.
والمشاهد للنجاحات الإسلامية يجدها تتابع وتتسارع بحمد الله وتوفيقه، يقوم عليها أغيار من العلماء والدعاة والمصلحين وعامة المسلمين رجالا ونساء.
فالبشارة بالدين هي منهج المسلم الواعي، قال صلى الله عليه وسلم: (بشروا ولا تنفروا)، وملء المسلم قلبه بالأمل يعطيه الفرصة للعطاء بعكس اليائس الناقم على الواقع الذي يدعوه تشاؤمه للقعود دون أية فائدة، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليفعل).
لماذا يغرسها إلا أنه يرجو ثوابها عند الله، ويختم عمره بعمل صالح هو عمارة الأرض ونفع عباد الله، ومن علم ما سبق استقر في قلبه أن التكالب على الإسلام اليوم لا يزيده إلا قوة، وأن النقص اليوم على الأديان الأخرى لصالح الإسلام، وأن المسلمين يزدادون انتشارا بحمد الله، فلا عذر لأحد بعد ذلك أن لا يدخل في نفسه اليأس والقنوط والقعود، ولا ينضم لحزب المخلفين.
ضرورة الاطمئنان
ويقول الدكتور أحمد الريسوني المفكر الإسلامي المغربي: إننا يجب أن نكون مطمئنين إلى قدر الله تعالى، فهو مدبر الأمر لا نحن، ولا أحد من الخلق، ونحن يكفينا شرفا وفخرا أن نكون في طريق الإسلام وفي خدمة الإسلام وفي ركاب نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، أما عن مواجهة التكالب على الإسلام فعلينا أن نتأمل قول الله عز وجل:{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.