ما أشبه الليلة بالبارحة، مثل عربي: يضرب عندما تأتي أحداث متماثلة، فيها ما ينير كوامن النفس، فقد قرأت في جريدة الجزيرة، عند افتخار (أولمرت) رئيس إسرائيل، عند اتصاله بالرئيس الأمريكي (بوش) لإفساد قرار الأمم المتحدة، بإيقاف إطلاق النار في غزة، وهو جاهز للتوقيع بعد عشر دقائق فقط، فاتصل بوش بوزيرة خارجيته، ومنعها من التوقيع، بعد أن وقع الجميع فأحرجها.. وجمد القرار بهذا السبب (الخبر كاملا في الجزيرة ص15 يوم الأربعاء 17 محرم عام 1430هـ).
هذا الخبر لما قرأته، حرك عندي ذكرى حرب العبور، التي انتصرت فيها مصر، وحطمت أسطورة (سد بارليف) التي قالت عنه دولة العدو، إنه معجزة فلا يمكن تجاوزه، إلا بقنبلة ذرية، والعرب لا يملكونها، وكانت الحرب في رمضان عام 1973م، وقد انهار ذلك السد، بأبسط سلاح إنه (الماء) حيث طور سلاح المهندسين في مصر (دينمو) دفع الماء، وأجريت تجارب حتى اطمأنوا للكفاءة، وفي اليوم المحدد، رُكب عدد كاف من هذه الطرمبات، على ضفة القناة الغربية، باتجاه السد، ومع تواصل المياه لذلك السد بدأ في الانهيار، حتى كملت فتحة كبيرة تسمح بمرور العربات والدبابات، وركبوا على القناة جسرا من مطمات السفن، مربوط بعضها ببعض بسلاسل.. عبرت فوقه القوات والجنود إلى صحراء سيناء شرقاً.
كنت في القاهرة، لأنها أول سنة أسجل للدراسة العليا (ماجستير) في الأزهر، وبعد العيد، والمصريون في نشوة النصر والسرور بهذا الانتصار، ورد الاعتبار بعد حرب الستين.
كنت مع أحد الزملاء، وفي الليل رن الهاتف عليّ، وسمعت التحية من المتكلم ويقول: أنت فلان، قلت: نعم وزميلك فلان، قلت نعم، وتسكن في شقة عمارة كذا، بشارع الفلكي، المتفرع من أحمد عرابي، قلت: نعم، وأنت وزميلك في الدراسات العليا - ماجستير - بالأزهر، قلت: نعم، فلم أتمالك من مقاطعته مستوضحاً عن هذه الأسئلة، أوهي مداعبة، فإذا هو يقول: لكما دعوة من جهة حكومية بزيارة الخطوط الأمامية، وهي خاصة للطلبة السعوديين والكويتيين، لمواقف الحكومتين مع مصر في هذه الحرب والتي قبلها: سياسيا وماليا، وقد أمر فيصل بإعمار ما دمرته الحرب السابقة: في السويس وبور توفيق، فنحب بعد موافقتكما أن نسجل الأسماء، والموعد الساعة 6.30 صباحا، في ميدان التحرير قبالة باب المتحف، وهناك المسؤول واسمه فلان والحافلة، كلمت زميلي، فقال هذه فرصة لا تعوّض. تحركت الحافلة، بما يقرب من (30) رجلا سعوديين وكويتيين فقط، ومعنا من يشرح، بدأ من أول طريق السويس، وكان ضيقا بمسار واحد، صحراوي، فأعطانا فكرة عن مسيرة القوات، وبور توفيق التي سنتناول فيها الإفطار، وما أصابها من دمار في الحرب السابقة، وسترون ذلك عيانا، فهجر السكان المدينتين بور توفيق والسويس، وقد أمر الملك فيصل بإعادة إعمارهما على نفقة المملكة هدية منه للشعب المصري، ثم تحدث عن الحرب، وما حصل فيها تزجية للطريق، وقال: لعلكم سمعتم صراخ رئيسة وزراء إسرائيل وهي تنادي: أدركوا إسرائيل، فإنها ستمحى من الخارطة، فقد غزينا بالإسلام.. وقد ارتبك جيشهم فضربوا سفينة المخابرات الأمريكية (لبرتي).. وذكر أشياء كثيرة في هذه الحرب المعجزة، وما تركت في جنود العدو من رعب، وصدق الله العظيم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} (14) سورة الحشر، وبعد الإفطار، والجولة في بور توفيق، ومشاهدة الدمار فيها، نقلونا إلى المعبر، وعلى ضفة القناة الغربية، أوقفونا قائلين نرجو عدم مس ماء القناة: لا باليد ولا بالقدم، لأنها لا تزال ملغمة كلها ولم تنظف، وهذا يحتاج من الجهة المختصة في الجيش وقتا للأسباب التالية:
1- القناة كلها ألغام مائية.
2- ألا تلاحظون أطراف أنابيب الغاز.. وأشار إليها قلنا: نعم.
3- قال: يريدون لو جاء الجنود لعبور القناة سباحة، أو جاؤوا في سفن وطوربيدات، لتصبح القناة كلها حاجزا من نار، لتحرقهم جنودا أو سفنا أو غيرها.
4- قناة السويس طولها 200كم، وقد جعلوا في سد بارليف المحاذي لها شرقا، مراكز دفاعية محصنة، ومزودة بأجهزة الاتصالات ورادارات متطورة جدا، بين كل مركز وآخر 2 كم، وهذا يدل على خوفهم وكثرة تحصيناتهم، مع التكنولوجيا المتطورة.
5- خوفا عليكم سوف تعبرون جسر القناة على أرجلكم اثنين اثنين، خوفا من دوار البحر مع اهتزاز الجسر، لأنه عبارة عن أسطح سفن مقرون بعضها ببعض، ويهتز مع حركة الماء.
6- فإذا عبرتم بالسلامة أرسلنا الحافلة بسائقها فقط، حتى لو سقطت في القناة مع الاهتزاز الذي يزداد بالحركة لكنتم سالمين.
بعد عبورنا وأخذنا فكرة، عن سد بارليف، وفكرته وتكاليفه، وأنه سمي باسم ضابط متقاعد من جيش العدو، اتجهنا شرقا إلى مركز القيادة اليهودية، في عيون موسى، فهو موقع محصن جدا، بالرادارات والمدافع بعيدة المدى والمناظير الليلية.
في الطريق رأينا، كثرة العربات والدبابات والمجنزرات، المدمرة من آثار الحرب، كما لفت النظر أكثر: كثرة المصليات التي اختطها الجنود المصريون، وحموها بحجارة صغيرة، تميز المحراب، وعلى هذه الحجارة ما يميزها بالبياض: إما جبصا أو بوية بيضاء من أجل معرفته في الليل، وهذا يدل على الدافع الديني، والحرص على الصلاة أثناء المعركة من الجنود المصريين.
المركز المتقدم الدفاعي والهجومي في عيون موسى، محصن جدا، ومشيد بقوة وإحكام، نحت في الجبال الهشة، والسقف مغطى (بالدبش) وهي مجموعة من الصخور، مربوطة بأسلاك حديدية 10*5م، وقال الضابط: هذا من أجل مركز القيادة فأي قنبلة تقوم بتفريغ الهواء من هذا الدبش، فلا تخترق الأرض ويكون مفعولها سطحيا.
وقد ربطوا هذا بالقيادة العامة، في تل أبيب بممر تحت الأرض، أوصلوا لهم معه: الماء والهاتف والكهرباء، ومخزن ضخم للذخيرة، والطعام، مهيأة لكتيبة في الجيش، للصمود 6 أشهر، وباب هذا المركز القيادي من الحديد الصلب، لا يخترقه أكبر مدفع هاون، ويفتح بالكهرباء المخفية، ولكن وجدناه مفتوحا، والأحذية والقبعات تركوها وركبوا طائرة (الهيلوكبتر)، وتركوا سياراتهم وخرائطهم حتى كؤوس الخمر وجدناها معبأة على الطاولة.
سأل أحدنا: كيف تم الاستيلاء على هذا الموقع الحصين، المهيأ للصمود ستة أشهر، فأومأوا إلى ضابط شاب، برتبة ملازم فقال: جئت مع كتيبتي من المشاة، إلى هذا الموقع الساعة الثالثة فجرا في آخر رمضان، وكنا متخوفين من حصانة الموقع، واستعدادهم فيه فقررنا مفاجأتهم بالتكبير جماعيا فهربوا، وأحسسنا بالطائرة تقلع في هذه الساعة، لأن صوت الليل أزعجهم.
ومع ذلك فقد أخذنا بالحيطة ونحن مشاة، فأقدمنا نحو الموقع نزحف على البطون، حتى لا ننكشف، ومعداتنا بعيدة عن الموقع، وتوزعنا عدة جهات، حتى نربكهم مع ظلام الليل، ولا ننكشف بالزحف. فوصلنا الموقع وإذ هو فارغ ولا أحد فيه اتصلنا بالقيادة، وأخبرناهم حتى يصلنا المدد في النهار، وقلنا وجدنا في الموقع المدافع الضخمة التي دمرت السويس وبورتوفيق، وأنها مثبتة في الأرض، ولم نستطع اقتلاعها، فأمرنا بتدميرها، مخافة أن يعودوا، فيستغلونها ضدنا.. فدمرناها نسفا. جلسنا في هذا أسبوعا كاملا، نتحدث مع قياداتهم باللغة العربية، يحسبوننا جماعتهم، ويعطوننا التعليمات التي استفدنا في الإنذار لجيشها.. ولم ينكشف لهم عن سقوط الموقع إلا بعد أسبوع، ففصلوا الهاتف والكهرباء، وبقي الماء.
وصدق الله العظيم في قوله سبحانه عن اليهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَق* ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} )112)سورة آل عمران، وبالمعاينة والشرح المباشر، عرفنا الشيء الكثير.
وبعد جولة وشرح في موطن المعارك، في صحراء سيناء، وجدنا ضابطا مظليا، كان من ضمن من أنزلتهم قيادتهم المصرية، في البحيرات المرة، الذي أرادت إسرائيل تغطيته، بإنزال في (الدفرسوار) من الجانب الآخر للقناة. وما حصل لهم في ذلك الإنزال وما حصل لإنزال اليهود، بأمور تعتبر من فضل الله معجزات: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى}(17)سورة الأنفال.
وعدنا للسويس في آخر الظهر بعد هذه الجولة والمعلومات، وحماس العسكريين المصريين، فعرجوا بنا إلى متحف الغنائم، وأول ما استرعى النظر، وجود ثلاث دبابات إسرائيلية لم تخدش ولا بجرة مسمار، فكان السؤال كيف استوليتم على هذه؟ فقال شاب بجوارها كنا ثلاثة جنود مشاة، انفردنا من كتيبتنا فتهنا في الصحراء، وسلاحنا رشاشات صغيرة، ففوجئنا بهذه نحونا، فقررنا رفع الأيدي استسلاما لكن المفاجأة، إطفاؤهم الأنوار، ونزل طواقمها رافعي الأيدي، فأسرناهم، وأوصلناهم لهذا الموقع، ولما سألوهم كيف سلمتم؟ قالوا: وجدنا أمامنا طابورا كاملا يحملون مدافع كاتيوشا المضاد للدبابات فسلمنا حتى لا ننسف.
الحديث طويل والوصف مغر، ولكن الحيز لا يسمح بذلك.
أسنان الإبل والغنم:
لقد اهتم الباحثون، في مفردات اللغة، بالتتبع والتمييز، في الوقت الذي ضيع هذا أبناء العرب، وخاصة في العصر الحاضر، وكان من المهتمين أبو محمد الصولي، في كتابه أدب الكتاب، فهو يقول في أسنان الإبل: يقال لولد الناقة ساعة تضعه أمه (سليل) و(حوار) قبل أن يعلم أهو ذكر أم أنثى، فإن كان ذكرا فهو (تعب) وإن كان أنثى فهو (حابل) فلا يزال حوارا، حتى يفصل عن أمه، فيقال له: فصيل، فإذا كان في الوقت، الذي يحمل عليه فيه، وهو عند تمام سنة، ودخول الثانية، فهو (ابن مخاض) يجوز في الصدقة، لأن أمه قد تمخضت بحمل بعده، فلا يزال ابن مخاض حتى تدخل السنة الثالثة، فيصير (ابن لبون) لأن أمه قد صار لها لبن من غيره، فلا يزال ابن لبون، والأنثى ابنة لبون، حتى تدخل السنة الرابعة، فهو حينئذ (حق) والأنثى (حقة).
فإذا كان في السنة الخامسة، فهو (جذع) والأنثى (جذعة) والجذوعة وقت من الزمن ليست بسن، فإذا تمت ودخلت السنة السادسة فهو (ثني) والأنثى (ثنية)، فإذا ألقى رباعيته في السنة السابعة، فهو (رباع) والأنثى (رباعية) فإذا ألقى السن الذي بعد الرباعية، وذلك في السنة (الثامنة) فهو (سديس) و(سدس) الذكر والأنثى سواء، وهو في كل ذلك (بكر) والأنثى (قلوص).
فإذا فطر نابه أي انشق للخروج، وذلك في السنة التاسعة فهو (بازل) والأنثى بازل و(بازلة) يقالان جميعا وهو عند ذلك (جمل) و(ناقة) للأنثى، وليس بعد ذلك سن إنما يقال (مخلف عام) و(مخلف عامين)، ومازاد.. فإذا كبر وعظم نابه، فهو (عود)، والأنثى عودة، ويسميان بأسماء كثيرة في الكبر.
وأما أسنان الغنم: فيقال لولد الشاة، حين تضعه أمه، من الضأن أو المعز، ذكرا كان أو أنثى (سخلة) و(بهمة) فإذا بلغت، أربعة أشهر، وفصلت عن أمها، فما كان من أولاد المعز فهو (جفر)، والأنثى جفرة، فإذا قوي فهو (عريض) ثم (عتود)، والذكر في هذا كله (جدي) والأنثى (عناق) وإن كان من أولاد الضأن، فالذكر (حمل) و(خروف) والأنثى (رخل) و(خروفة) وتكون في السنة الثانية (جذعا) والأنثى (جذعة) قال الأصمعي: يكون جذعا من يأتي عليه ثمانية أشهر، وتسعة ونحو ذلك.
وفي السنة الثالثة (ثني) والأنثى (ثنية) وفي السنة الرابعة (رباع) وفي الخامسة (سدس) و(سديس) وفي السنة السادسة (صالغ) و(سالغ) و(سالغة) و(صالغة) بالسين والصاد، ويقال لما كان ذكرا من المعز عند الإجذاع (تيس)، والأنثى عنز.
(أدب الكتاب للصولي 205 - 206).
