يرتبط الأدب بالإحساس في تلازم تكاملي واقترانه بطبيعة الحال مع الأخلاق، فالأدب وقود الأخلاق، وحينما يكون مستوى الأدب رفيعا فإن هذا الرقي ينعكس تلقائياً على درجة الإحساس التي بدورها سترتفع في ضوء الأدب الرفيع فتؤثر هذه النتيجة الإيجابية الخلاقة على الشعور، ومن ثم فإن ما يتمخض عن هذا التفاعل سيشكل مزيجاً فاعلاً في دفع القوة المعنوية نحو المصالحة مع الذات في تناسق بديع لما يقره الفرد وما يتوجب عليه فعله سعياً إلى تطبيقه ووفقاً لمدى قدرته في رصد الالتزام الأخلاقي في إطار تفعيل القيم النبيلة التي تكفل الحياة الكريمة بجمالها وجبالها ووديانها وشجرها ونباتها، كاستحقاق منطقي للإنسان الذي خلقه المولى وكرمه، وحينما تتداخل المصالح وتتباين الرؤى فإن الانحياز وارد لاعتبارات مرتبطة في التكوين أو بالأحرى بطبيعة الإنسان، ففي الوقت الذي يحقق فيه الإنسان ولاسيما إذا كان موقعه مؤثرا في هذه الناحية أعلى درجة من الانسجام وفقاً لتوجهاته الفكرية السليمة، وأعني بذلك ما يخص صيانة الأخلاق وحمايتها فإن المعايير المتسقة مع المفهوم الذي يحقق أعلى مستوى من درجة الحماية وتطبيقها مرهون بتحقيق الانسجام ليس بين الأطراف وحسب، بل الانسجام مع تحقيق المصالحة مع الذات، من هنا فإن الأدب بمفهومه الشامل يظل العنصر الأبرز في صياغة المصالحة لأن الإقرار على مسألة تناهض الأدب وتناقض القيمة الأخلاقية أو تنال منها فإن هذه مدعاة لنشوء صراع مرير بين ما يقره من ناحية ويلتف عليه من ناحية أخرى مهما بلغت المبررات من حرفية في تحوير المسار، هذا الصراع المرير هو المقياس لدرجة التحلي بالأدب وتحقيق المصالحة والرضا عن الأداء أو التخلي عنه، ومن هنا فإن مواجهة هذا التناقض يتطلب قوة في العزيمة وثقة بالنفس وإصراراً على إحقاق الحق وتحري الدقة في تطبيقه، والعالم من حولنا ينوء بكمّ وافر من هذه المشاهد، فغمط هنا وظلم هناك، ويبقى الصراع نحو تحقيق المصالحة مع الذات متوقدا ولا يهدأ، فهو وإن بدا في الظاهر غير مؤثر فإنه بمن يستشعره لا يفتأ أن يتحول مستفزا عنيدا، لا يكل من إبراز الحجة كلما حاول التجاهل والنسيان طي هذه الصفحة، ولا يمل من المكاشفة كلما حاولت التبريرات أن تغطي على هذا الجزء لأنها وبكل بساطة تفتقر إلى المنطق وبالتالي فإنها تستعصي على التغطية، إن أقسى ما يعانيه صاحب الفكر السليم والعقل الراجح هو سطوة الانحياز التي ما برحت ترهق الجميع، بل إن مرارة الشعور بهذا الأمر تكون أقسى ولا ريب على من يملك النفوذ قياسا على ما أسلفت، إن الارتقاء بالمستوى الفكري والأدبي يتطلب مهارة عالية ومرونة في تحقيق الانسجام، ولا يتم هذا الأمر بطبيعة الحال بمعزل عن بسط العدالة بكل ما تعنيه من حفظ للحقوق المعنوية والأدبية، ويظل الحوار محور الارتكاز واللاعب الأبرز الذي يستطيع أن يحقق النتيجة الإيجابية من خلال فهم وجهات النظر وقراءتها قراءة متقنة تراعي الاعتبارات المختلفة، ومن ثم تقاربها، فبدون الإحاطة بمعطيات المراحل ومتطلباتها لن يكتب للوجهات نجاحا في التقارب بهذا الخصوص.
الليل يسكنه الظلام، والظلام أحيانا يكون أبرز المترافعين عن حتمية الأسئلة المتشابكة، لماذا وكيف، ليستا كلمتين يمران مرور الكرام على أذهان بل إنهما تنتظران الأجوبة المقنعة والتبريرات المنطقية التي في ضوئها تمنحان الاطمئنان ومن ثم فإن مستوى الارتياح ينعكس إيجاباكلما تحققت أعلى درجة من الحماية للمعايير المنصفة، وكلما سكن الهدوء في أي جزء من أجزاء المعمورة كلما ضخ هذا الهدوء معانيه اللائقة ليشمل الحرث والنسل والنبات والشجر والبحر على حين أن بكاء الطفل لم يُكفل له هذا الحق كفيل بتأجيج الصراع، والخالق تبارك وتعالى منح البشر العقول وسخر لها العلم والمعرفة لتتحمل مسؤولياتها الأدبية في المحافظة على هذه الأرض وإعمارها، وكل يدرك هذه الحقوق ويبقى تطبيقها رهناً على ارتقاء مستوى الفكر والأدب، وشرف حمل المسؤولية الأدبية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان قيمة.
hamad@asas-re.com