داهمت أجهزة هيئة الأمر بالمعروف معرض (التعليم في بريطانيا 2009م) الذي تنظمه بالرياض جامعة اليمامة بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني. اعتراض الهيئة كان على نقطتين: (الاختلاط) أولاً، وثانياً (مشاركة نساء) في أجنحة بعض المنشآت التعليمية البريطانية بغرض تسويق الخدمات الدراسية في بريطانيا، للراغبين من الذكور والإناث في الدراسة هناك، الأمر الذي جعل أعضاء الهيئة يمنعون النساء - سعوديات وغير سعوديات - من البقاء في المعرض، وتم تجميعهن بعد إخراجهن منه في الصالة الرياضية، في انتظار من ينقلهن إلى أماكن سكناهن.
المعرض بفعالياته وافقت عليه وزارة التعليم العالي، وهي الجهة المعنية المخولة بالترخيص لمثل هذه المعارض. مسؤولو الهيئة يقولون إن مثل هذه الممارسة كان يجب التنسيق بشأنها مع الهيئة، على اعتبار أنها مخولة (نظاماً) بالإشراف على سلامة هذه المعارض من الناحية الأخلاقية، حسب ما تمليه عليها مسؤولياتها، وبالتالي فعدم التنسيق معها تتحمل تبعاته الجهة التي أعطت الترخيص، وكذلك جامعة اليمامة، على اعتبار أنهما تجاوزا الهيئة، وأقرا فعاليات المعرض، دون إشراك الهيئة أو مندوبيها في الإعداد لهذا المعرض.
وبعيداً عن رأيي في (الاختلاط)، والذي أرى أنه قضية على الأقل (خلافية)، مهما حاول المتشددون أن يجعلوها محل إجماع، ورغم أنني - كذلك - ضد ترويع الناس، والتجسس عليهم، وعدم الاكتراث بسمعة البلد وصورته في الخارج، التي تسيء لها بعض ممارسات الهيئة، إلا أنني أجد للهيئة بعض الحق في الاعتراض، فالمسؤولية هنا تقع في (الدرجة الأولى) على وزارة التعليم العالي التي صرحت بالمعرض، وكذلك إدارة كلية اليمامة، دون أن تنسق مع الهيئة.
ربما أن الهيئة أخطأت عندما لم تستشرف الضرر الذي سيلحق بسمعة البلاد جراء مداهمة المعرض، ولا سيما أن المشاركين فيه ذكوراً وإناثاً هم أرباب علم، وصناع معرفة. فقد كان الأحرى بإدارة الهيئة التي أعطت الأمر بالمداهمة، أن تأخذ هذا (البعد) بعين الاعتبار، إضافة إلى أن هذا المعرض كان يجب أن يعامل مثل معاملة المؤتمرات التي تقيمها بعض المؤسسات الطبية، ويشارك فيها الرجال والنساء مجتمعين، وهذا ما تجاوزته الهيئة للأسف. غير أن كل ذلك لا يبرئ الآخرين من المشاركة مع الهيئة في تحمل مسؤولية هذه الحادثة، التي أظهرت المملكة أمام الآخرين بهذا المظهر غير اللائق.
ونحن عندما ننتقد ممارسات الهيئة، وسيطرة التيار (المتشدد) عليها إدارة وأفراداً، فلا يعني ذلك أننا نقر تجاوز هذا الجهاز، أو عدم التنسيق معه، أو أننا ضد وجوده من حيث المبدأ، ولكننا ضد ممارسات بعض أفراده، واجتهادات إدارته في كيفية التعامل مع ما يرونه (منكراً) يجب دفعه ما أمكن، وبالشكل الذي لا يترتب على دفعه منكر أكبر منه، كما يشترط الفقهاء.
وهذا - بالمناسبة - ما يجعلنا نعيد المطالبة بضرورة إيجاد صيغة نظامية (صارمة) من شأنها الحد من هذه السلبيات، وضبط مثل هذه التجاوزات، سواء من الهيئة، أو من الأجهزة المعنية بالتراخيص لمثل هذه الفعاليات. إلى اللقاء