بنيّتي : حين يكون عليك أن تركضي وحدك من أجل ذاتك، فأنت في رحلة كفاح، ومن الحكمة أن تحملي في زوادتك مؤونة الطريق.., المؤونات العينية من الطعام والشراب والكساء ستجدينها على مسافات الطريق خلف أبواب عارضات زجاجية صقيلة أو مشاجب فتحت ذراعيها للهواء بمثل ما تجدينها بيد بائع متجول , حتى الكتب والقراطيس لن تعدمي وجودها.. فالطرق يا بنيّتي عبأها الإنسان بكل سلعة تدر لجيبه المال.., بيْد أنّ هناك مؤونة يصعب أن تجديها على قارعة الطريق أو خلال مسافاته، بل ولن تتوفّر لك في منعطفاته ولا حيث تنيخين للراحة بعضاً من الوقت..
حين يكون عليك بنيّتي أن تبدئي رحلتك، فإنّ أول ما تحتاجين إليه هو الرفيق.. إنك ستجدين الكثير من البشر لأنهم أيضاً يشاطرونك المركبة للغرض ذاته.. فكلٌّ يركض من أجل ذاته.., مع تفاوت النيّات والحاجات والأهداف بل منتهى نقطة الوصول.. فليكن أول رفيق لك مقره القلب.., ومقامه التقوى.., فله عين تراك.., وحول يحيط بك وقدرة لا تعجزك.. نوره لا يطفئه ظلام الطريق , وأنسته لا تغطيها وحشة المفازات , وعونه لا يقطعه سيل الحاجات.. إن اتخذته الرفيق لن تحزني أبدا.., فمآل غايتك الفوز.., ومرماك الهدف.. ربك يا ابنتي ليكن الرفيق الذي لا تستبدليه بغيره.., فلا أحد غيره, ولا شيء مثله في الأرض, ولا في السماء, فأنعمي بها رحلة.., وأسعدي به رفيقاً.. وقري بها مآلا..
ثم حين يكون عليك بنيّتي أن تبدئي رحلتك وربك رفيقك.. لا تنسي أن تتزوّدي بطاعته لتسلمي ثم لتبلغي..
وليكن لك في زوادك من مؤونة العزم ما يقويك , ومن ستر الصبر ما يقيك , ومن دعامات الحلم ما يهون عليك المسافة , ويقرب لك السفر إلى غاياتك.. فذاتك لن تبلغيها إلاّ بجأش ثابت , وبعزم صادق , وبوعي نابه, وبثقة مطمئنة , وبقلب صاف, وبجنان تقي , وبدأب متواصل,.. حين تكونين مليئة زوادتك بكل هذه المؤونة لن تتواني عن أن تعيني من يرافقك الرحلة , وتأخذي ممن يفيدك خير ما عنده , وتلقي لأوعية النفايات ما فسد من حولك.. إذ لا تتوقعي بنيّتي أن دروب الرحلة نقية دوماً.., أو صافية المناخ على وتيرة واحدة.., أو مؤتمنة المفاجآت كما كنت تعيشين بين كنف والديك.. فدرب الحياة بطموحات ذات عالية يا بنيّتي بحر يتلاطم له مواسم مدٍّ.., وله مواسم جزر , وأجواؤه تارة عاصفة وأخرى مغبرة , وثالثة مطيرة , ورابعة سعيدة , وأخرى جارحة.. وأنت تعملين على بلوغ مكانة ذاتك لتمهري بصمتك في الحياة، لا تنسي بنيّتي أنّ كل ما تغرفين من زوادتك لتعطيه للآخرين.., لن ينقص أبداً , فهناك رفيق معك يعيد ملء هذه الزوادة فرفقته خير وأمان.. ستجدين في لحظة فرحك ببلوغ مرماك وقبل أن تنيخ مركبتك أنه أثراك ووسع طريقك وأنبت زهورك وعمم شذاك...
يا إباء وأنت على هذه الجادة , لعلِّي حبيبتي أن أتذوّق ثمار رحلتك العلمية.. بعد أن تذوّقت ثمار وعيك ونضجك وصدقك واستقامتك..
وفّق الله دربك وأنت قد قطعت شوطاً في رحلة ذاتك الأعلى طموحاً والأوثق جذوراً.. فالله معك وليباركك...
ففيك أرى زهرات الوطن ونبات البيوت فيه ,, ونتاج محاضن أمهاته..
فليوفقك الله ورفيقاتك نهلة , أسماء, شيمة , نوال, رشا, وأنتنّ في مركبة سواء زوادتكن واحدة ومنهلكن من نور الرفيق عسى أن يضيء لكنّ الدرب ويبصركن الهدف ويعينكن على البذل والنجاح... فلا تنسين مؤونة الرحلة.