طبعاً من الصعب جداً إصدار الأحكام الآن على أي من الكراسي العلمية التي تحتضنها جامعاتنا السعودية؛ فعمرها الزمني قصير، وما زال المشوار أمام الباحثين المختصين المنتظمين في سلك العاملين في هذه الكراسي والمشرفين عليها طويلاً، كما أن من الإجحاف ومجافاة الحقيقة إطلاق حكم واحد على الجميع أو اعتقاد أنها مجرد موضة عارضة تغازل فيها جامعاتنا السعودية رجال المال والأعمال أو حتى العكس، موضة تتزامن مع الطفرة الاقتصادية التي مررنا بها السنتين الماضيتين، وتتوافق مع التوجه الحالي من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - وفقه الله - للتعليم والبحث العلمي. من جانب آخر فالكراسي العلمية مهما كثرت وكان مردودها المالي كبيراً ومثلها الوقفي الخيري والتبرعات العينية لا يمكن بحال من الأحوال الاعتقاد بأنها بديل عن الإنفاق الحكومي وبسخاء على البحث العلمي؛ لذا أرى أن من الضروري تعزيز المخصص للبحث العلمي في ميزانيات الجامعات السعودية، خاصة الناشئة منها، للتأسيس الصحيح ولتفعيل حركة الدراسة والنشر في هذه المؤسسات الوطنية المهمة، وبما أنني لست على اطلاع كامل ومعرفة تامة بمسار الكراسي العلمية في الجامعات السعودية؛ لذا فليس لي أن أتحدث عنها أو أضيف جديداً عما نشرته وسائل الإعلام لحظة تدشينها، إلا أنني وبدعوة كريمة من أخي الفاضل الدكتور علي بن عبد الله العفنان عميد كلية المعلمين في جامعة الملك سعود شُرفت بداية هذا الأسبوع بحضور ملتقى (نحو استراتيجية تربوية للأمن الفكري)، وتشرّفت خلالها بالتعرُّف على المشرف على كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري الأستاذ الدكتور خالد بن منصور الدريس، كما سرني معرفة الكثير عن هذا الكرسي المهم الذي يشرف بدعم صاحب السمو الملكي المادي والمعنوي؛ فهو صاحب الكرسي ومَن اقترح على القائمين عليه تبني استراتيجية وطنية لتحقيق الأمن الفكري. سرني أن فريق الكرسي من مختلف التخصصات والفنون، ويعملون باحترافية جيدة وعلى محاور مختلفة مع تركيزهم الحالي على الإنترنت، والمدرسة؛ إذ إنهم يحاولون وبجدية الالتقاء بكُتّاب النت وأصحاب المواقع من خلال ورش عمل مفتوحة، والحوار بين الطرفين - كما يذكر المشرف على الكرسي - (لا سقف له)، كما أنهم يوجّهون جهدهم وبشكل كبير للميدان التربوي، ومن هذا الباب كان المدعوون لحضور الملتقى هذا الذي ينظمه الكرسي بالتعاون مع كلية المعلمين في الرياض (الملتقى السابع) مديري المدارس في جميع المراحل التعليمية الذين ينتظمون في (دورة مديري المدارس) التي تقام في عدد من كليات المعلمين كل فصل دراسي، و قد دار بين المحاضرين ومديري المدارس الذين جاؤوا من مختلف مناطق المملكة نقاش واسع وحوار حر عن إشكاليات التطرف الفكري والسلوكي في المجتمع السعودي خاصة داخل محاضننا التربوية والتعليمية التي تفترض أن تكون هي في الأساس الحصن الحصين من أي انحراف فكري وتربوي، وعرض في نهاية الجلسات لتجارب من الميدان التربوي عرضها الحضور من أجل توظيفها في بناء الاستراتيجية التربوية للأمن الفكري، كان هناك إشارات مهمة في اللقاء تدل على أن الأمن الفكري لا يعني محاربة التدين وتغريب المجتمع؛ إذ لا بد للإنسان أياً كان وفي أي بلد هو من أيديولوجية يعيش عليها، والإسلام هو الأيديولوجية التي نشرف بالانتماء إليها، هو شرعنا وعليه قامت وحدتنا وبه تسير بلادنا ولله الحمد والمنة، والأمن الفكري ليس منعاً للمناشط الدينية كما يريد البعض، وإنما ضبط لمسارها وتحديد للمسؤوليات والمهام، وتحقيق الأمن الفكري لا يعني علاج التطرف والإرهاب والوقاية منهما فحسب بل هو أمن من كل شطط وخروج عن الجادة الحق والمنهج الوسط المبين، وهذه مسؤولية دينية ووطنية مجتمعية تقع على عاتق كل منا؛ فهي ليست مهمة أشخاص أو وزارة بعينها، بل كل منا راع وكل مسؤول عن رعيته، كما أن الأمن الفكري لا يستلزم التصنيف الفكري: هذا ليبرالي علماني والآخر إخواني والثالث سلفي والرابع تبليغي والخامس... {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ}.
شكراً للمنظمين والمشاركين والحضور، ومن قبل من القلب شكراً لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز على هذا الكرسي المهم الذي جزماً سيضيف لبنة جديدة في آلية مناقشة وعلاج مشاكلنا الفكرية والاجتماعية والتربوية بمنهج علمي رصين ومن خلال استراتيجية وطنية واضحة المنهج بيّنة المعالم والخطوات.. ودمت عزيزاً يا وطني.