إن خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مستهل انعقاد قمة الكويت يعطي دلالة مبينة بأن الإدارة الخيرة لدى قيادة ملهمة بالحكمة البالغة قادرة بعون الله وتوفيقه على بلوغ الغايات المشروعة وفق حسابات دقيقة ومخططات واضحة وشفافية عالية.. إنها الحكمة.. والموضوعية.. والواقعية.. والبراعة التي تجلت في خطاب صادر من القلب.. لم يكن معزوفة فنية.. أو قطعة أدبية أعدت من قبل، وإنما جاء بناء على طلبه -حفظه الله- من لدن صاحب السمو أمير الكويت التي تنعقد القمة العربية الاقتصادية على أرضها المباركة. ويحضرها كل الرؤساء العرب.
إنه خطاب خادم الحرمين الشريفين الصادر من القلب إلى قلب الأمة حاثا على إذكاء الهمة لتحمل مسئولية أداء الدور ومواصلة العمل والجهد الدؤوب من أجل استعادة الحق واحترام المكانة، وتقدير القضية الأساسية: قضية فلسطين والسلام العادل والاستقرار الآمن.
إن خطاب خادم الحرمين الشريفين يؤكد على أن المسار الفاعل لبلوغ الحق هو التجاوز عن المقاطعات والترفع عن الخلافات ومد جسور التوافق والتوحد حول الحق وإعمال العقل والرشد والحكمة والاعتماد على أدوات الحماية السياسية والإستراتيجية المتينة.
وأن التقني الإستراتيجي لا ينهض على التصورات الخيالية، وإنما ينهض على منهجية علمية واستدلالات منطقية وأسس الفكر العقلاني؛ لأن التخيل تشوه يوقعنا في تشتت الذهن ويعجزنا عن توفير القدرة على مواصلة السير تجاه تحقيق إستراتيجيتنا.. التي لا يمكن تحقيقها إلا بالتعاون الصادق والتكامل العربي الذي يمكننا من التصدي لعواصف الخطر كما تمكنا من قراءة الواقع بنظر ثاقب ورؤية واضحة وحسابات موضوعية وأداء جيد يرقى لمستوى ما نواجهه من تحديات ومن ثم فإن قوتنا الحقيقية تكمن في التضامن والتكامل الذي تحض عليه ثقافتنا الكبيرة وشرعتنا المجيدة الخالدة.
إن الجمود والتصلب في التخيل يوقعنا لا شك في أوهام التصورات التي لا تعتمد على إحكام العقل ولا تستنير بسلامة الفكر ومناهج المعلم وكم نحن في مسيس الحاجة إليها مما يضر بمصالح الأمة ويقضي على طموحاتها، ونقطة الخروج من هذا الجمود هو توحد قوى الأمة العربية وبتنسيق منظومة المنجز العربي الجماعي التكاملي.
ولذا فإن خطاب خادم الحرمين الشريفين أكد على أن النصر - على العدوان الغاشم رهن بالوحدة، وتكاتف الأشقاء الفلسطينيين ووحدة الأمة العربية وأن الهزيمة تبنى على الخلاف والفرقة، ويشير مليكنا -بقوة- إلى أن قادة الأمة العربية مسئولون جميعاً عن الوهن الذي أصاب وحدتنا ووحدة قوتنا وعن الضعف الذي هدد تضامننا.. وهذا ما حدا به أن يدعو جميع القادة العرب إلى السمو على الخلافات والوقوف موقفاً مشرفاً تفتخر به الأمة العربية.. وتدعم به مسيرة العمل العربي المشترك.
وكان من جراء هذه الدعوة الكريمة أن تمت المصالحة بين الملكة وسوريا ومصر وقطر وتم رأب الصدع في الجسم العربي لتأخذ مسيرة الأمن والرخاء طريقها لصالح المواطن العربي والمسلم في كل مكان.
وهذا يوضح بكل صراحة ودون موارية أن لجوء بعض القوى العربية على الارتباط بقوى غير عربية لها أغراضها ومحاورها وسجالها وأجندتها ومرابها الخاصة في المنطقة.. لا تنسجم ولا تتفق ولا تفيد المصالح العربية العليا وتضر بها وقد تدمرها كذلك.
ولذا كان لدعوة خادم الحرمين الشريفين للمصالحة أهمية بالغة في ظل الواقع المعاش فهي القمة التي يطلق عليها قمة كل العرب مبرأة من اختراق أي قوى إقليمية أو عربية معينة، وإنما -والحمد لله- كانت إعلاء لتوحيد الصف العربي بعيداً عن التصريحات والشعارات.
وإن خطاب خادم الحرمين الشريفين نداء حق موجه لإسرائيل وساساتها وسدنتها أن عليهم أن يدركوا أن الخيار بين الحرب والسلام لن يكون مفتوحاً في كل وقت، وأن مبادرة السلام العربية المطروحة اليوم لن تبقى طويلاً على الطاولة.
وهذا إعلان لإسرائيل أن تحسم موقفها بكل وضوح ودون خداع أو مواربة حيال حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة حسم الصدام لصالح الحق والحقيقة، فلن نظل في حوار دائم، ولم نعد نسمح بالتسويف والمماطلة في شأن قضايا الحل الدائم، أو خرقاً للالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية الآمنة القابلة للعيش لإنجاح عملية السلام، والواقع العملي هو المحك الرئيسي أمام إسرائيل بمدى التزامها بعناصر الحل السياسي المطروح في العربية ومدى التزامها بمصداقية السلام حيث إن غطرسة القوة غير مقبول وأن الحق الفلسطيني لن يؤجل بعد الحين، وهذا ما أراد خادم الحرمين الشريفين أن ينبه إسرائيل إليه.
ونحو إعادة بناء وتعمير فلسطين وتمويل المشروعات العاجلة فيما يتعلق بالبنية الأساسية التي تحتاج إليها غزة بعد ما دمرته آلية الحرب الإستراتيجية فقد أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ مليار دولار.. وهو ما يشكل نصف المبلغ المطلوب لصندوق إعادة الإعمار الذي يقدر بملياري دولار.
هكذا كان خطاب خادم الحرمين الشريفين لقمة الكويت داعماً لوحدة الصف العربي والشعب الفلسطيني وجهود تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وإعادة الإعمار.
هذا فضلاً عن الأثر الإيجابي الذي قدمه الخطاب للمؤتمرين لتخرج بناء عليه قرارات المؤتمر ومنها الإعلان إلى أن قادة الدول العربية المجتمعين في مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية يؤكدون الصلات الوثيقة التي تربط الوطن العربي، ويلتزمون بالعمل على توطيدها وتدعيمها لتحقيق التنمية المنشودة في المجتمعات العربية.
كما أكد القادة العرب في ختام القمة الالتزام بتقديم مختلف أنواع الدعم لإعادة إعمار غزة.
دمت مليكنا على طريق الخير وداعماً للحق دوماً فسر ونحن وراك أينما كنت دائماً للحق وداحضاً للشر والاعتداء فهذا نبراس دولتنا منذ توحيد كياناه على يد المؤسس والموحد الملك عبدالعزيز عليه سحائب الرحمة وطيب الله ثراه.