Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/01/2009 G Issue 13271
الاربعاء 02 صفر 1430   العدد  13271
أنت
المذاهب الدينية بين العبادة والسياسة
عبد المحسن بن عبدالله الماضي

 

الحقيقة التي نؤمن بها أن القرآن مُنَزَّل وليس مخلوقاً.. وأن نزوله لم يكن دفعة واحدة، بل كان متفرّقاً على دفعات وفي مرحلة زمنية امتدت منذ تكليف النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة وعمره أربعين عاماً حتى وفاته وعمره ثلاثة وستون.. كما أن كثيراً من سور القرآن لم تُنَزَّل كاملة ربما باستثناء السور القصيرة.. بل نزلت على شكل آيات متفرّقات.. فهناك سور من القرآن نزل مطلعها في مكة المكرمة وتتمتها في المدينة المنورة.. كل ذلك يعني أن القرآن الكريم وحي تفاعلي.. أتى استجابة لتساؤلات.. أو حسم لجدل.. أو تأييد لرأي.. أو تبليغ بحكم.. أو حث على عمل أو نهي عنه.. إلى غير ذلك مما استجد أو حدث للإسلام والمسلمين خلال الثلاثة والعشرين عاماً التي نزل فيها القرآن.

لذلك فمسألة تفسير القرآن وفهمه لا تتم إلا وفق قواعد اتفق عليها علماء المسلمين.. من ذلك: العلم بأسباب النزول.. والناسخ والمنسوخ.. ولهذا فقد نهى علي بن أبي طالب أبا ذر الغفاري رضي الله عنهما عن الدعوة بالقرآن (فالقرآن حَمّال أوجه).. وهذا هو تماماً ما استغلته بعض الفرق الإسلامية وحوّلت بواسطته الإسلام من دين غايته عبادة الله تعالى إلى دين غايته السياسة يقف في صف هذا ويعادي ذاك.. وصار الإسلام وسيلة من وسائل الصراع التي أدمت العالم الإسلامي منذ ذلك التاريخ.

ولعل القارئ للجدال اللغوي الذي جرى بين المعتزلة والأشاعرة في مسألة الدال والمدلول والمعنى والقصد في علم الكلام.. وكيف اشتغلت بقية الفرق الإسلامية في الاشتقاقات اللغوية لتأويل آيات القرآن الكريم والتي كان يحكمها في الغالب الصراع على السلطة أو الانتصار للجماعة.. ففسروا القرآن على الظاهر حيناً وعلى المجاز حيناً وعلى الباطن أحياناً أخرى.. ولووا بذلك أعناق الحقائق حتى كسروا بعضها.. مع هذا اعتبرت لدى متبعي تلك الفرق حقائق يقينية عدم الإيمان بها يقيناً كفر مخرج من الملة.

قد يكون الخوارج هم أول من أوجد فكرة تسييس الدين.. حينما أسقطوا مفاهيمهم ورغباتهم الأيديولوجية على القرآن الكريم وأوّلوه بأن (الحكم لله وحده).. وتفريغهم الآيات الكريمة من سياقها التاريخي الذي لا يُسْتنبط المعنى الحقيقي لها إلا بمراعاته.. وبذلك وُجدت النواة التي استفاد منها السياسيون في الدخول إلى الدين وتوجيهه الوجهة التي يرتضونها.. وهو ما فعلته تماماً القوة السياسية الصاعدة آنذاك ممثلة في الدولة الأموية حينما تم تبني (الجبرية) كمذهب يبررون به مآل السلطة إليهم كما يبررون من خلاله أعمالهم.. وحيث إن هذه البذرة في استخدام الدين لأغراض السياسة كان ولا بد أن تؤتي ثمارها.. فقد كان لا بد للدولة العباسية من أن تلعب نفس الدور فخرجوا بالمذهب (القدري).. ثم تطور الأمر إلى ظهور (المعتزلة) الذين قالوا بخلق القرآن.. والذي من خلاله بسطوا هيمنتهم على كامل فترة حكم المأمون ومن ثم أخيه المعتصم وابنه الواثق.. وتم استخدام المذهب لتحديد الموالين والمعارضين.. وهكذا تطورت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم.

وللحديث بقية.



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد