قبل مجزرة (غزَّة) الأخيرة.. وقبل التعبئة الإعلامية المتعاطفة مع (ضحاياها) من بعض القنوات.. كنا نظن أن (فلسطين) الهوية والتاريخ والجغرافيا.. قد ذابت وتلاشت.. إلاَّ من مسافة اختزالية فاترة.. يشكلها المتناطحون على ما تبقَّي من هلام الدولة والسلطة.. مما لفظته (أنياب العدو).. تُذكِّر أو تستعيد ما قاله شاعر فلسطيني في ظروف أخف سوءاً من هذه: في يدينا بقيَّة من بلاد.. فاستريحوا كي لا تطير البقيّة..!
* وحدها قناة الرأي والرأي الآخر.. كانت تُذكِّر بأن ثمَّة قضية وثمَّة (48) و(67) وثمة مراحل من التاريخ.. وتحالفات ومؤامرات.. وثمة مدن وقرى وإنسان.. وثقافة ووجود وحياة وذكريات وكيان.
* (حقٌ يأبى النسيان) تلك المتوالية البهيجة والضارية.. وحدها تحاول ترميم الذاكرة المفؤدة.. تُذكِّر بسيرة حق.. تتواطؤ الأشياء على ألا يكون شيئاً.. تعيد إلى الأحداق الرخوة: مرأى المدن والمقاومين والأبطال والبطولات وسير المكان والزمان.
* تذكِّر جيلاً ما.. لا يعرف من الأرقام السابقة سوى إشاراتها لشيء كأنه الهزيمة.. أو ما يشبهها.... ولا يعرف من (فلسطين) سوى السجال الطويل على الحق في السلطة.. والحكومة والمقالة والبديلة... وأحداق تشع بالشراسة حيناً.. وبلمعة بطولة (فضائية) تارة أخرى.
* في (حق يأبى النسيان) صياغة برامجية احترافية مختزلة في دقائق؛ توظف كل مقدرات تشكيل المادة- الصورة التلفزيونية ومراحل إعدادها وإخراجها الفني.. أحداث ومعلومات وتواريخ ومشاهد.. وحدود جغرافية وسير راحلين.. تعيد للذاكرة والوعي.. ما غيّبته بطولات الراقصين.. والغواني وأشباههن من المخنثين.. وسقط الكلام ورخيص الاهتمام.
* قبل مذبحة غزة بأيام كانت (روان الضامن) محور هذه البرامج.. تبحث في مراكز المعلومات وأراشيف التاريخ... وأوعية مراكز البحث في بريطانيا وفرنسا والقاهرة وأنقرة.. عما لم يكشف.. من قصة فلسطين.. والدولة الصهيونية.. لتعيد للذاكرة المشاهدة.. قصة إرث ضاع بين ورثة أشقياء.. وعصبة ألدَّاء.. وإعلام لا مسؤول.. وتربية اجتماعية وثقافية غفل من الوعي بالتاريخ.. والحق بالمعرفة.
* لكم.. ساءني انحياز قناة الرأي والرأي الآخر - أحياناً - وارتهانها لسلطة المهيمن.. وسطوة رغائبه وأهدافه.... وقد يكون لذلك سند يُبرره.. ولكن الحق أبلج..
* ولم تفتأ.. تعيد تأثيث الأذهان الفارغة بسياقات (فلسطين- القضية العربية) وتحولاتها التاريخية والسياسية في سياق برامجي احترافي.. يعي الأصول المهنية.. لمعنى الإعلام المسؤول لتكون مخرجاته على ذلك النحو الراقي والمتقن التي أعدته وقدمته (روان الضامن )... إعلامية عربية استدبرت المراهنين على الرخيص والأدنى من الملهيات التي توهن عزائم مفترضة في مشاهدين يشكل الإعلام قاسماً مشتركاً وفاعلاً في تشكيل وعيهم.
* وقد أحسنت (الجزيرة) توظيف قدرات هذه الكفاءة.. التي نباركها ونقدّم بين يديها العرفان بالتميز والإشادة بالقيمة.. لأنها تحترم وعينا.. فتِّشوا في مهب (رياح الفضائيات) ومخرجات إستراتيجياتها.. ستجدون (قليلاً ضئيلاً) مما يمكن أن يرقى إلى سيرة ومسيرة روان.