Al Jazirah NewsPaper Tuesday  20/01/2009 G Issue 13263
الثلاثاء 23 محرم 1430   العدد  13263
المباني الحكومية بين الحاجة والهوية
فضل بن سعد البوعينين

 

على الرغم من الاعتمادات المالية الضخمة التي تنفقها الدولة، رعاها الله، على مشروعات التنمية، ما زالت بعض المباني الحكومية تعاني من تخلفها عن ركب الحضارة والتطور. وإذا ما تجاوزنا المدن الرئيسة، نجد أن عدداً لا يستهان به من المباني الحكومية إما مستأجرة، أو لا ترقى إلى مستوى تلبية الحاجات الشاملة.

بعض المباني الحكومية تحتاج إلى تصاميم خاصة تحقق لها الأمن والسلامة، وربما احتاجت إلى مواقع خاصة تسمح لها بممارسة أنشطتها أو تقديم خدماتها للمواطنين بكل يسر وسهولة ما يجعل من استئجار المباني السكنية العامة أمرا يتعارض مع متطلباتها الأساسية.

المباني الحكومية هي واجهة الحكومة على الحدود، وفي المناطق، المحافظات، المدن، والقرى، وهي أذرعها الإدارية والأمنية التي تعتمد عليها في تسيير شؤون البلاد والعباد، وكلما كانت هذه المباني متوافقة مع الاحتياجات الشاملة والمتطلبات المستقبلية استطاعت أن تحقق أهدافها بكفاءة ونجاح بعيداً عن المشكلات والعقبات الجانبية التي يمكن أن تكون أكثر تأثيراً في مخرجات الأداء وتحقيق الجودة.

بعض المباني الحكومية صممت بعيداً عن بيئتها التي أنشأت عليها، ولم يُراعى فيها حاجة مستخدميها الأساسية فعجزت عن تحقيق الكفاءة وتلبية الحاجات ما فرض على مستخدميها إجراء تحسينات جوهرية عليها، أو توسعات قبل أن يتمكنوا من استخدامها وهو أمر لا يمكن القبول به وكان من الممكن تجاوزه بيسر وسهولة من خلال التصاميم المتوافقة مع الاحتياجات. الشواهد كثيرة لا نود الخوض فيها، ولكن يمكن القول أن كثيراً من المباني الحكومية المسلمة حديثاً لا تحقق جميع متطلبات مستخدميها على الرغم من تكلفتها العالية، بل إن بعضها يتعارض مع قدرة شاغليها على التعايش معها لأسباب مختلفة. أضرب مثلا بمدارس التعليم. هناك بعض المدارس مكونة من أربعة طوابق دون أن يتوفر فيها مصاعد أو سلالم متحركة. ترى كيف سيتمكن المعلم من متابعة حصصه في فصول متفرقة بين تلك الأدوار الأربعة على فرضية قدرة الطلاب وهو أمر غير مقبول أيضاً.

أما مدارس البنات فهي أشد وطأة على أساس أن المعلمة معرضة للحمل والولادة وهو ما يجعل من تسلقها الأدوار العالية أمرا مستحيلا. الغريب أن مباني المدارس متعددة الأدوار باتت تبنى في مساحة لا تتجاوز 30 في المائة من حجم الأرض الكلية!!.

ترى أيهما أنسب وأجدى التمدد عاموديا، أم أفقيا في مساحة شاسعة، ومهملة من الأرض. هناك أمور أخرى متعلقة بالتصاميم الداخلية وافتقارها لبعض المرافق المهمة كصالات الطعام، وصالات الأنشطة الاجتماعية، أو ما يتعلق بتصميم مدارس البنات القريبة من العمارات الشاهقة، أو موقع البناء من الأرض بما يحقق خصوصية الطالبات والمعلمات، يضاف إلى ذلك الصالات الرياضية المغلقة للأبناء كبديل للساحات الرملية المفتوحة. الأمر لا يقتصر على المباني التعليمية بل يتجاوزها إلى المباني الأخرى.

تجهيز المباني الحكومية بالتقنيات العالمية الحديثة في الشؤون المختلفة تساعد في تحقيق الجودة، ورفع معدلات الإنتاج والرقابة والأمن، وتضمن رضا المواطنين. التقنية الحديثة تضمن انسيابية العمل، وتقضي على الكثير من المشكلات المعقدة التي تعترض سير عمل الإدارات الحكومية. هناك مبانٍ حكومية حديثة يمكن اعتبارها أنموذجا متقدما للمباني الحكومية المطلوب تعميمها على جميع مناطق ومدن المملكة. التجربة الرائدة في إنشاء بعض المباني الحكومية المتوافقة مع متطلبات العصر، وما وصلت له التقنية يفترض أن تكون معيار الجودة للمباني الحكومية الأخرى المزمع إنشاؤها العام الحالي والأعوام القادمة. التنمية الحقيقية لا تقاس بحجم الإنفاق المالي بل تعتمد اعتماداً كليا على المنجزات، ومستوى توافقها مع المتطلبات العالمية والاحتياجات الآنية والمستقبلية.

التنمية أيضاً تعني رسم هوية الوطن، وثقافة الشعب، وبناء الحضارة والانتماء. تنعم المملكة بكثير من المنجزات الحضارية والمباني العالمية إلا أن بعض تلك المباني تفتقد إلى هويتها السعودية، وتبتعد كثيراً عن جذورها الثقافية الجميلة. فقدان الهوية العمرانية في المباني الخاصة قد يقبل على مضض، أما المباني الحكومية فيفترض أن يراعى فيها تحقيق الهوية الثقافية والانتماء إضافة إلى توافق تصاميمها الداخلية مع متطلبات الشريعة وخصوصية المراجعين، والعاملين من الجنسين.

مباني المحافظات، المحاكم الشرعية، الأحوال المدنية، البلديات، الجوازات، الشرطة، أمن الطرق يفترض أن تتميز بتصاميم خاصة تجمع بين المنعة، والفخامة الخارجية، والتصاميم الداخلية الكفيلة بتحقيق المتطلبات الشاملة. مثل هذه المباني يمكن أن تكون معلماً من معالم المدن والقرى على حد سواء. أعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى كثير جهد، فالأموال الموجهة لبناء المباني الحكومية كافية لإنجاز تلك المشروعات بالتصاميم المميزة. فقط نحتاج إلى تطوير التصاميم الحالية وجعلها تتوافق مع متطلباتنا الأساسية، لا أن تفرض على حاجاتنا التوافق معها.

الإنفاق الحكومي السخي على مشروعات التنمية يجب أن يقابله الجميع بتدبير يضمن القضاء على جميع المباني الحكومية المستأجرة، واستبدالها بمبان حكومية حديثة تضمن تحقيق الحاجات الشاملة الآنية والمستقبلية، وتتوافق مع متطلبات الأمن والسلامة، وتلتزم بتحقيق الهوية السعودية والثقافة الإسلامية وتتواكب مع متطلبات الحضارة.

***



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد