Al Jazirah NewsPaper Monday  19/01/2009 G Issue 13262
الأثنين 22 محرم 1430   العدد  13262
دفق قلم
العرب والانشقاق
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

أحاديث الناس لا تكاد تخرج هذه الأيام عن تشخيص الداء العربي المتأصل (الخلاف والانشقاق)، فهو داء ظاهر لا مجال لإخفائه عن عامة الناس في هذه المرحلة، وفي قلوب الناس حرقة وألم لما يرون من هذا الداء، وعلى ألسنتهم أسئلة مشتعلة عن أسباب انتشاره، وإجابات متعددة مختلفة عن وسائل علاجه والتخلص منه.

وتكثر الأحاديث عن هذا الداء، ولكنها لا تستطيع أن تغير من حقيقته شيئاً، لأن لكل داء دواءً يعالج به، فإذا لم يوفق المريض لأخذ العلاج الناجع المناسب لدائه لم يتحقق له البرء منه.

وداء انشقاق العرب منتشر في أجسادهم منذ أن وقعوا فريسة لجرثومته الخبيثة، واستسلموا لها، ولم يجتهدوا في أخذ الدواء المناسب الكفيل بقتلها، وطرد الداء من جسد الأمة.

إنه داء (البعد عن الله) الذي سببته جرثومة المعصية والغفلة والطمع، والظلم، والاستسلام لرغبات النفوس وأهوائها.

(البعد عن الله) داء فتاك تسلل إلى أجساد الأمة، وسرى في عروقها، ونخر في عظامها، حتى أصبحت أمةً مريضة، ضعيفة المناعة، عاجزة عن تحديد الأهداف، ومواجهة الداء، ومقارعة الأعداء، وهذا الداء (البعد عن الله) يتلف البصيرة فلا يستطيع المصاب به أن يرى الأشياء على حقيقتها، وأن يحدد المعنى الحقيقي للنصر المرتقب من الله عز وجل، ونظراً لتلف البصيرة وانطماسها، فإن الإنسان يصبح متورطاً في تبني مواقف يعتقد أنها صواب، وهي أبعد ما تكون عن الصواب، كما يصبح متورطاً في التهاون بالمعصية صغيرةً كانت أم كبيرة، متسأنساً بها، غير مبالٍ بما وراءها من العقاب الدنيوي والأخروي.

الأمة العربية متورطة في هذا الداء الفتاك (البعد عن الله) ولهذا فهي تتخبط، وتختلف، وتتناقض، وتتصارع، وتتبنى مواقف يعرف الإنسان الذي لا يملك كثيراً من المعرفة والخبرة أنها مواقف خاطئة، ترسخ الداء، وتعمق الخلاف والشقاق.

لقد ظهر هذا الداء الفتاك عند العرب في أكثر من موقف وحدث من قبل اغتصاب فلسطين ومن بعده، ولكن ظهوره هذه الأيام أصبح مزعجاً لكثير من الناس الذين لم يكونوا يتوقعون أن الخلاف العربي قد بلغ هذا المدى المؤسف.

إن عودة العرب إلى مصدر عزهم الحقيقي، وإلى طريق وحدة صفهم الواضح (الإسلام) بكل ما يعنيه من الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك، هو الداء الوحيد لعلاج أمراضهم الفتاكة التي أظهرتهم بهذه الصورة المهلهلة المخجلة أمام العالم.

إشارة:

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد