عندما كنت مديراً عاماً للتربية والتعليم كانت تردني استبانات عدة وفي مختلف التخصصات ومن جميع المناطق والجهات السعودية المهتمة بالبحث العلمي، وإن كانت غالبيتها استبانات تربوية لطلاب الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، وأنا بدوري أحيلها للإدارة المختصة من أجل إكمال اللازم كما هو متبع..
وهي على نفس المنوال تحيلها لمديري المدارس مثلاً وهؤلاء المدراء إلى من دونهم وهكذا حتى الوصول للفئة المستهدفة والتي قد تكون فئة المعلمين أو الطلاب أو الموظفين أو...، ومن المسلّم به أن تأخذ هذه الدورة الإدارية الروتينية وقتاً طويلاً خاصة أنها بصدق ليست أكبر هم العاملين في الإدارة، بل لا تعني لأكثريتهم شيئاً، فلديهم من الأعمال والمسئوليات ما هو أهم ويجب إنجازه في أسرع وقت ممكن، علاوة على أن هناك من لا يكترثون كثيراً بالبحث العلمي ولا يؤمنون بأهميته أصلاً، ولذا ربما توقفت المعاملة المرفق بها هذه الاستبانة عند أحد الزملاء الموظفين وقد تضيع وسط الزحام!! هذه الصورة ليست حكراً على هذه الإدارة أو تلك ولا هي خاصة بمؤسسات الدولة دون القطاع الخاص، بل هي الحالة الغالبة في كثير من مؤسساتنا الحكومية والخاصة، وفي المقابل يعتقد البعض من الباحثين وللأسف الشديد أن دوره ينتهي حين يبعث استبانته عن طريق البريد أو الفاكس، وفي أحسن الأحوال تكون منه المتابعة التلفونية بعد أسبوعين أو ثلاثة، وإن كان له معارف وأصحاب اتصل عليهم يستنجد بهم لمتابعة هذا الجزء الهام من بحثه التخصصي في هذه المنطقة أو تلك!! صدّقوني أن كثيراً من الباحثين لا يكلّف نفسه حتى تصوير أوراق استبانته فضلاً عن أن يقف هو على التطبيق ويتابع الجزء الميداني من دراسته المتخصصة وإنما يطلب من الجهة التي تبعث لها الاستبانة التصوير والتوزيع والتطبيق والجمع، بل حسب العدد المطلوب من الباحث بالخطاب المرفق!! ومع ذلك يبني على ما تم التوصل إليه من التطبيق الميداني نتائج علمية ويوصي بما يراه، وقد تعمم النتائج وتأخذ الصبغة الرسمية جراء كونها نتيجة بحث متخصص طبّق في مناطق المملكة العربية السعودية وللأسف الشديد!! أضع هذه الصورة المبسطة ومثلها كثير عن بعض أعمالنا البحثية في المملكة العربية السعودية، أضعها على طاولة عمداء البحث العلمي في المملكة العربية السعودية الذين يعقدون - في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض - اجتماعهم الثالث هذه الأيام، أضعها وأنا أعتقد أنها ظاهرة وليست حالة فردية، بل إنني أرجح أن المجتمع والذي هو مشارك حقيقي في البحث العلمي قد لا يعير المشاريع البحثية الميدانية أدنى اهتمام وربما لديه عزوف عن المشاركة في تعبئة الاستبانات وإن شارك جبراً فهو غير مبال فيما يذهب إليه، فالموضوع من ألفه إلى يائه لا يعني له شيئاً، أملي كبير ونحن نلحظ اهتمام ولاة الأمر رعاهم الله بالبحث العلمي ونحن نعلم واقع البحث العلمي في بلادنا الغالية أو نعلم ولو صورة جزئية عنه أن يكون هناك حملة توعوية بأهمية البحث العلمي وواجبنا الوطني تجاه هذا البعد التنموي الهام، تتوجه هذه الحملة لطبقات المجتمع المختلفة، وكذا دورات تدريبية متخصصة تعقد في جميع مناطق المملكة لمن لديه هاجس البحث والدراسات الميدانية و... لا بد من وجود بناء علمي صحيح يرتكز عليه صرحنا البحثي الذي ينتظر منه ولي الأمر أن يكون الأساس الأول والمنطلق الصحيح للنهضة والتنمية الشامل والمستديمة في جميع مناطق المملكة، وإن كان لي حق الاقتراح فإنني أقترح على الإخوة الفضلاء عمداء البحث العلمي في جامعاتنا السعودية تبني تأسيس جمعية علمية وليكن اسمها مثلاً (جمعية أصدقاء البحث العلمي)، يكون هؤلاء العمداء أعضاء المجلس التأسيسي لهذه الجمعية وترتبط إدارياً بإحدى الجامعات التي يتفق الجميع عليها، ولهذه الجمعية استقلاليتها التامة وفروع المختلفة في جميع مناطق المملكة وهدفها الأساس التوعية المجتمعية والتحفيز المستمر بأهمية المشاركة بالبحوث الميدانية الاجتماعية منها والعلمية خدمة للوطن وتعاوناً مع الباحثين المختصين، شكراً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على عقد هذا الاجتماع الهام وقتاً وموضوعاً، والدعاء من القلب للمجتمعين عمداء البحث العلمي في جامعاتنا السعودية بالتوفيق والسداد، ودمت عزيزاً يا وطني.