Al Jazirah NewsPaper Monday  19/01/2009 G Issue 13262
الأثنين 22 محرم 1430   العدد  13262
بين الكلمات
مقولات غير محظورة..
عبد العزيز السماري

 

تردد اسم إبراهيم البليهي على مسمعي لأول مرة عندما كان يرأس بلدية مدينة حائل بسبب نجاحه في تحويل مدينة تحتضنها الرمال من كل صوب إلى مدينة خالية من التلوث البيئي، ثم أدركت لاحقاً ومن خلال مقالاته ومحاضراته في الأندية الثقافية أنه أيضاً مهتم ببيئة العرب الثقافية وعقولهم المتحجرة، وأنه يعمل جاهداً في تقديم رؤية أفقية تشخص حال العرب المتردية، وتهيئ بيئتهم الثقافية نحو التغيير في اتجاه المستقبل..

لكن كثيراً ما شدني كأحد العامة التي تهوى قراءة العناوين جيداً قبل فحص المضامين، (مانشتات) وعناوين أطروحاته الثقافية،.. منها على سبيل المثال: (المسلمون سبب تقهقر العالم وتراجعه وأمريكا معذورة في اضطهادهم)، و(الغرب أفضل خلقا من المسلمين)، و(العقل العربي يختلف عن عقول الأمم الأخرى).. عناوين صاخبة تتجاوز حدود النقد البناء إلى جلد ماسوشي للذات..

لكن عندما قرأت ما يطرحه تحت تلك العناوين، وجدته متصالحاً مع الدين، ولم يحمل رسالة الإسلام تبعات ما يحدث من تخلف حضاري، لكنه برغم من ذلك يجلد في ثقافة العرب والمسلمين، ويقف مغرماً ومدافعاً عن الغرب مصوراً إياه بالحمل الوديع، وتاركاً للعرب والمسلمين صفة الذئاب المفترسة..

يقول الأستاذ البليهي :(إن المسلمين يحدون من حرية الشعوب في العالم).. لم يصرح بماذا يقصد بالحرية، فمصطلح الحرية حمالة أوجه، ويختلف مدلولها المعرفي من بيئة إلى أخرى..، وهل حرية الممارسة الاجتماعية مع الاستسلام للقدر السياسي والاقتصادي الأمريكي وفرض الحصار على الفلسطينيين هي الحرية بمدلولها الديني أو الفلسفي....؟

من مقولات البليهي الخطيرة مقولته أن (الغرب أكثر خلقاً من المسلمين)، وهي جملة إقصائية وعدائية وعنصرية ضد العرب والمسلمين، فمعايير الأخلاق أيضاً تختلف باختلاف البيئة السياسية، وترتبط مباشرة بتطبيقات القانون الذي لا يقبل الاستثناءات، فهناك أي في الغرب ارتباط مفهومي محكوم بين القانون والأخلاق، كما أن مفهوم القانون من جهة، ومفهوم سريانه من جهة أخرى يجب أن يرتبط بمنظومة أخلاقية، أي أن المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية القانونية متكاملتان، ولا يمكن الفصل بينهما في أي مجتمع مهما كانت الأحوال، ولهذا السبب ظلت أخلاقيات الإسلام بدون تفعيل بسبب غياب الثقافة القانونية التي تحكم الجميع.....

يحمًل إبراهيم البليهي ثقافة العرب مسؤولية عجز العقل العربي وجموده، فالعقل العربي حسب رأيه غير العقول الأخرى، وكم أتمنى أن يفصٍل في ذلك، وأن يحدد أي العرب يقصد!، وهل هم أهل الشام والمغرب العربي أم شعب الجزيرة العربية ؟..فما هو معروف عن شعوب الشمال والمغرب العربي أنها غير منغلقة، تحب الحياة وتطالب بالديموقراطية في بلادها، ومنفتحة على الثقافة الإنسانية، وعلى آلياتها وثقافتها القانونية..

لكن العقل السياسي في تلك المناطق الحضرية يحاصر أي حراك حضاري، ويحاول تشويهه إما بالتزوير، أو تلفيق التهم، أو بتغيير الدستور من أجل تمديد فترة حكم الرئيس، وبذلك تسقط نظرية البليهي عن العقل العربي، ولم أعد أدري من يقصد بالعقل العربي ؟..،وهل كان يعني به العقل السلفي!..، ولكيلا يتحمل تبعات مجابهة تيار السلفية القوي اختزله في مصطلح العقل العربي، واستبدل مصطلح المجتمع السلفي بالبيئة الثقافية، لأنه ربما لا يملك الجرأة على البوح بالمسكوت عنه في خطابه الثقافي...

ومع ذلك أجدها فرصة لأشيد بنشاط إبراهيم البليهي وقدراته الثقافية المميزة، فالرجل يحمل هم التخلف بين أضلعه، ويصرخ بأعلى صوته من أجل الخروج من شرنقة الجمود وتمجيد الماضي، لكنه أحياناً يهرب من مواجهة الحقيقة من خلال اختيار عناوين لا تتفق في أغلب الأحيان مع مضامين أطروحاته الثقافية، لكنها تحمل كماً هائلاً من مشاعر اغتيال الذات، ولهذا السبب أطالب بحجب (مانشتات) محاضراته ومقابلاته لأنها بكل شفافية غير صالحة للتداول بين النشء العربي الجديد..!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد