(1) طُرح علي ذات يوم سؤال يزعم صاحبه أن الساحة الأدبية تشهد حالياً (هرولةً) من قبل بعض الشعراء صوب الرواية على حساب الشعر وبعض الأغراض الأدبية الأخرى، فأجبت بأنني لست ناقداً يعتد برأيه في الحكم على مسألة كهذه، وتمنيت في الوقت ذاته ألا يعتقد البعض في ضوء هذا السؤال أن الرواية فن طارئ على أدبنا المحلي، مضيفاً أن المشهد الأدبي في بلادنا شهد منذ القدم ميلاد أعمال روائية رائدة، للدمنهوري وإبراهيم الناصر ومحمد علوان وغالب أبو الفرج وغيرهم كثر، لكنها لم تكن بالكم الذي خرجت به القصة القصيرة أو القصيدة ببحورها وتفعيلاتها المختلفة.
**
* أما مسألة (هرولة) بعض الشعراء صوب فن الرواية على حد زعم صاحب السؤال فأحسب أن هذه ظاهرة صحية أتمنى أن تتكرر، إذا كانت في مستوى بعض الأعمال الروائية للشاعر والأديب المتعدد المواهب الدكتور غازي القصيبي بل لا أرى ضيراً في أن يقتحم شاعر أو مفكر أو حتى عالم رياضيات مجال (الرواية) إذا كان يملك الأداة الفنية لذلك!
(2)
* استطلع رأيي ذات مرة حول طبيعة الحصاد الثقافي في بلادنا، وبم يتميز أو يختلف عن آداب الشعوب الأخرى، وماذا أتمنى له أو منه نتيجة لذلك فأجبت بما يلي:
* يتميز حصادنا الثقافي في شيء، ويفتقر إلى أشياء! فهو متميز في التزامه بهويته الإسلامية المنفتحة على الحياة، بشراً وقضايا، وهذه سمة لا غنى عنها، ولا بديل لها، هذا لا يعني بأي حال الانغلاق على الثقافات الأخرى، أو العزوف عن متابعة نتاجها الفكري والفني، بل إن هناك ضروةً ملحة للاطلاع على حصاد تلك الثقافات، فنستفيد بالنافع منها، إثراء لأدواتنا الثقافية، ونتعرف على المعوج منها مما يناقض ملتنا وثوابتنا، ثم نهجره هجر العارف له، لا الجاهل به، كيلا نخدع به أو نفتن من حيث لا ندري ولا نريد!
* على صعيد آخر يفتقر حصادنا الثقافي إلى أمورٍ عدة، من أهمها:
1) الرصد المتعمق لإيقاعنا الحياتي المعاصرفي شكله الراهن، لا في إشكالياته المتوقعة، أو مثاليته غير المتوقعة، وبمعنى آخر نفتقر إلى أدب يبحر بنا إلى قاع ممارستنا الحياتية القائمة لنراها كما هي بخيرها وشرها، بسويها ومعوجها لاما نتمناها أن تكون تحت مظلةٍ طوبائية الأحلام، وسطحية التنظير!
2) تفتقر ثقافتنا إلى قدر كبير جداً من التسامح في التعامل مع فكر (الآخر)، ولا أعني بذلك (التسليم) بفرضياته ونتائجه، سوى ما يتفق مع بديهية العقل، وفطرة الإنسان من الأمور غير الخلافية، لكنني في الوقت نفسه أتمنى أن (نلتزم) في تعاملنا مع (الآخر) بحرية الاختلاف حول الأمور الاجتهادية، ثم نجادله بالتي هي أحسن، فإن اتفقنا في الرؤية فنعما هي، وإن اختلفنا، لم يقص أحدنا الآخر أو تمنى زواله!
3) هناك معاناة أزلية يواجهها المبدعون في بلادنا، ويضطر كثيرون منهم بسببها إلى وأد إنتاجهم، أو حبسه في (زنزانات) الرفوف، تلك هي معاناة النشر والتوزيع، فهناك أديب قد يحجم ألف مرة قبل أن يدفع بإنتاجه إلى ناشر لايحترم أدبيات النشر، ولا يتقيد بأوامره ونواهيه، ولا يرعى قواعده وتقاليده، نحن في حاجة إلى موانئ آمنةٍ ينطلق منها إنتاجنا الفكري إلى الساحة، ثم ينتشر منها إلى آفاق العالم.
(3)
* نتطلع إلى تفعيل قطاع الترجمة الدقيقة والأمينة للنافع من الآداب العالمية، لأن الترجمة نافذة تطل منها الشعوب على مساحة عريضة من موارد الفكر العالمي،كيلا تبقى عقولنا (رهينةً) لموردٍ ثقافي واحد، متذكرين دائماً أن لا شيء يحجب الإبداع الفكري مثل الاتكاء على أحادية ثقافية تنكر التنوع، وتستنكر فاعله أو تحبط أعماله!