يبدو أن درجة السمع عند الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ضعيفة جداً، أو كما قال لي أحدهم: إن أقواله تنبئ عن رئيس يعاني من صمم تام، وإلا لما تورط في أكثر من مرة وفي أكثر من موقف بتصريحات وأقوال وأحكام تبدو وكأنها صادرة عن رجل يعاني من غيبوبة حالت - ربما - بينه وبين متابعة التطورات والمستجدات في العالم، فجاءت أقواله بكل أخطائها وتناقضاتها وسلبياتها لتصب في مجرى قنوات تواصله مع الآخرين من الطريق الخطأ الذي كشفه على حقيقته، وأبان لنا أهدافه دون أي غطاء يبرر لأي منا القبول بها أو حتى تبريرها.
***
وليس من عاداتنا، ولا من مسلماتنا، أن نتتبع عورات آراء الآخرين وعوارها، أن نجر بفعل فاعل - حتى ولو كان السيد نجاد - إلى نوع من العبث السياسي والإعلامي، فضلاً عن أن نستفز كي ندخل في ملاسنات لا تنسجم مع تقاليدنا في الإعلام السعودي، حيث النأي من جانبنا - كما هو معروف - عن أي معارك أو سلوك قد يقودنا إلى مجاراة غيرنا في أسلوبه ومراميه وأهدافه ما ظهر منها وما بطن.
***
غير أن تكرار الإساءات، ومن مصدر واحد، وتشويه الحقائق بشكل متواصل ومتعمد ومقصود، حتى وإن جاءت من رئيس لدولة نكن لشعبها كل التقدير تفضحه بما فيه الكفاية، مالا نحتاج معها لمثل هذا المقال لتعرية أوهام الرئيس أحمدي نجاد بالحقائق الدامغة التي لا يجهلها حتى أولئك البسطاء من الناس الذين يقال عنهم محدودي القدرات والمسؤوليات والثقافات، لولا أن تماديه دون حياء أو خجل ودون وجه حق في ادعاءات عن مواقف يتهم بها غيره من القادة ممن لا تنسجم مواقفهم مع توجهاته وسياسات بلاده، هو ما حفزنا لأن نقول له مضطرين - اصمت! - فقد انكشف الغطاء، بحيث لم يعد لديك ما تستر به عورات اتهاماتك، ومثلك يعرف أن فاقد الشيء - وأنت هو!! - لايملك ما يعطيه من رأي سديد أو قول موزون، وبالتالي فهذه هي بضاعتك التي قال العقلاء عنها: دعنا يا فخامة الرئيس من هذا الهراء.
***
لقد اعتاد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أن يخاطب السذج من الناس ولم يدرك أن مزايداته وانتهازيته واستخفافه بعقول العقلاء، قد كشفته على حقيقته في كل مرة يكون له فيها ظهور إعلامي غير مبرر، وبخاصة حين يمارس معهم قلب الحقائق، وتشويه صورة ما يجري على الأرض، والقول بغير ما يعرفه الناس من معلومات، وكأننا أمام رجل يهذي بما يدينه دون أن يكون على علم بما يقول، في مرحلة بلغت من التطور التقني ما لا يمكن معها أن تغيب الصورة والصوت المنقولتان فضائياً حيث الحقائق التي يقولها غيره ونقيضها التي يتباهى بها فخامة الرئيس أحمدي نجاد.
***
ومن غير الممكن أن نتتبع كل سقطات الرئيس الإيراني، والعيوب المخلة بالشعارات التي ينادي بها ويطلقها من حين لآخر، إذ لا أحد اكتوى بنار تصريحاته ووعوده وشعاراته وأوهامه أكثر من القضية الفلسطينية والفلسطينيين الأشقاء، ولا أحد شجع الجانب الفلسطيني على مغامرات غير محسوبة فدفع هذا الشعب المغلوب على أمره ثمنا غاليا غير هذا الذي يوجه كلامه ورسائله ليوقد نار الفتنة بين الأشقاء وليجعل أوار الحرب مستمرة ومستعرة دون أن يمسه الجزع على مشاهد الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ الذين يتساقطون بالمئات يومياً بفعل العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وأهل غزة.
***
وكنا نعتقد أن الرئيس نجاد قد علم وتعلم بأن كلامه يطير في الهواء، بلا قيمة أو نتيجة أو أثر، لأن الكلام غير المحسوب لا يثمر عن شيء ذي قيمة أو فائدة لدى الإنسان، سيما حين يصدر من المرفهين القابعين في مكاتبهم ودورهم يتابعون مآسي الشعوب دون أن تتحرك ضمائرهم لنجدتهم ومساعدتهم ولو بالكلام الحسن، فإذا بالرئيس إياه لا يقدم شيئا للقضية الفلسطينية غير بيع الكلام بكلام مثله من مسؤولين عرب وغير عرب أساؤوا للقضية الفلسطينية على مدى تاريخها بأكثر مما خدموها، وورطوا أهلنا مؤخرا في غزة وما زالوا بما دفعوا ثمنه غاليا، حيث القتلى والجرحى بالآلاف حتى اليوم، وحيث هدم المنازل والطرقات والمدارس والمساجد وكل ما هو جميل في قطاع غزة الأبية الشامخة.
***
أكتب هذا الكلام على عجل بعد أن عدت إلى مراجعة كلام غير مسؤول كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد قاله على شكل رسالة وجهها لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حول العدوان الإسرائيلي على غزة كما جاء ذلك منسوباً إلى - أرنا وهي وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية -، مطالباً الملك عبدالله بن عبدالعزيز بما أسماه (الخروج عن صمته إزاء الجرائم الصهيونية في غزة) وهو كلام مردود على الرئيس الإيراني، إذ يظهر جهله وغيابه أو غيبوبته عن الجهود السعودية لإيقاف نزيف الدم ولمساعدة أهلنا في غزة على تجاوز المحنة القاسية التي يمرون بها، وهي جهود تمثلت سياسيا من خلال الموقف السعودي في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة والموقف السعودي في اجتماع مجلس الأمن في نيويورك وكذلك الدور السعودي في قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي عقد في الرياض إلى جانب التواصل مع القادة والزعماء المؤثرين في الجهد المبذول لإنهاء العدوان الإسرائيلي الظالم على غزة، وهي ماديا تتمثل في الجسر الجوي والأرضي الذي حمل إلى أهلنا في غزة كل المساعدات التي يحتاجونها هدية من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وشعب المملكة العربية السعودية، ومثلها جمع التبرعات المادية من المواطنين لتضاف إلى ما تقدمه حكومة المملكة لفك أزمة الإخوة الأشقاء في غزة، فماذا قدمت يا فخامة الرئيس لدعم الأشقاء في فلسطين؟، وأين هو صمت الملك عبدالله وهذه بعض توجيهاته ومجهوداته وليس كلها لدعم القضية الفلسطينية التي يعرف القاصي والداني موقف المملكة من مناصرتها ودعمها منذ عهد الملك المؤسس وحتى هذه اللحظة التي نعول على الملك عبدالله وعلى الشرفاء من القادة العرب والمسلمين دعم قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، مع إيقاف العدوان الإسرائيلي الغاشم في غزة فوراً ودون إبطاء.