Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/01/2009 G Issue 13260
السبت 20 محرم 1430   العدد  13260
التفاف صريح ومخالفات جوهرية في قروض المضاربة على الأسهم
تسييل محافظ المقترضين.. جمر مشتعل تحت رماد السوق

 

فضل بن سعد البوعينين

تلقيت اتصالا من أحد الأخوة الفضلاء بُعَيد مشاركتي في تحقيق صحفي تناول موضوع تسييل البنوك لمحافظ المقترضين، وأثره في زيادة الضغط على سوق الأسهم السعودية. دار الحديث حول حقيقة إجراءات تسييل المحافظ وأثرها السلبي على سوق الأسهم. لفت نظري دقة المتصل واطلاعه الواسع، وإلمامه بشؤون المال والاقتصاد، ومجريات الأمور، على الرغم من منصبه الإداري البعيد عن شؤون المال والاقتصاد.

يشعر الإنسان بالفخر حين يرى تميز جهة حكومية في الاستئثار بالكفاءات المتميزة من حملة الدرجات الأكاديمية العالية، وأصحاب الخبرات والتخصصات العلمية في مجالات مختلفة وتوظيفها لخدمة الوطن والمواطن. ثقافة المسؤول، وعلمه، واطلاعه على جوانب الحياة المختلفة، وإن لم تكن على علاقة بمسؤولياته المباشرة، تضمن تحقيق الأهداف الإدارية، الكفاءة القصوى للأداء، وجودة العمل. وعلى النقيض من ذلك فإن محدودية الاطلاع، وثقافة ال(مايكرو)، والانفصال عن الآخر، المؤَثّر والمُتَأثِّر بمخرجات الإدارة (المنشأة)، ربما لا تساعد في تحقيق الجودة، الكفاءة، ومتطلبات الأداء الفَعَّّال.

خبر الزميل فهد الذيابي، الذي نشر في (عكاظ) الأسبوع الماضي، حول تسييل المحافظ، ومخالفات البنوك، و(تضمين العقود التمويلية شروط غبن بالمعنى النظامي والشرعي) أعادني إلى الاتصال المميز الذي استفتحت به مقالة اليوم. يبدو أن معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي لم يشبع نهم الزميل الذيابي فيما يتعلق بجزئية تسيل المحافظ؛ ما دفعه إلى استنطاق مصدر في (لجنة تسوية المنازعات المصرفية) الذي كشف عن وجود (أكثر من 1200 عقد تمويلي، تسببت في مواجهات قضائية بين البنوك والعملاء، شهدت شروط غبن للعملاء مثل تسييل المحافظ لضمان حق البنك؛ ما أدى إلى تعريض العميل للخسارة وقت أزمات السوق المالية)، المصدر (شدد على أنه لو كانت السلطة في معاقبة البنوك المخالفة بيد لجنة تسوية المنازعات المصرفية دون مؤسسة النقد لأصدرت العقاب الرادع من جراء هذه التجاوزات).

نتعامل مع الموضوع وفق الأعراف الصحفية التي تؤكد الخبر ما لم يتم نفيه من الجهة المعنية، وبذلك يمكن القول إن موضوع (تسييل محافظ المقترضين لسداد ديونهم) بات أمراً ثابتاً، بشهادة الجهة الرسمية التي أوكل لها النظر في قضايا (المنازعات المصرفية)، وهو ما ذكرته في أكثر من مناسبة، بل إن قرار الإدانة أصبح أقرب إلى الحقيقة المؤكدة عطفا على التأكيدات السابقة.

البعض لا ينظر إلى بيع الأسهم وفق أوامر البيع مسبقة التوقيع على أنها تسييل قسري لمحافظ المقترضين، معتمدين على اكتمال إجراءات المستندات الرسمية، في الوقت الذي ينظر لها شرعا على أنها جزء من (شروط الغبن) المهلكة لمال المُقتَرِض في مقابل الإبقاء والمحافظة على أموال المُقرِض الذي لا يتحمل أيا من المخاطرة مقابل الأرباح المُحصلة على القروض المسماة ب(قروض المرابحة الإسلامية)!. يطلق على هذه الشروط أحيانا (شروط الإذعان)، وهي لا تُفرض في حالة الضعف، كالمتعارف عليها، بل تؤخذ في أجواء من الثقة المُضَلِلة، المُغلَفة بالوعود والأحلام الوردية التي يقدمها مسوقو قروض المضاربة عند تقديمها على طبق من ذهب لضحايا (الثروة الموعودة)!.

قضية تسييل المحافظ قضية شائكة، ومؤلمة، ومؤثرة في اقتصادنا الوطني؛ ما يجعل من مناقشتها بشفافية مطلقة أمرا لا مفر منه. تجاهل هذه القضية في انهيار 2006 أدى إلى تكرار فصولها المؤلمة في انهيار 2008، وما زالت كالجمر المشتعل تحت رماد السوق المستقرة (مؤقتا)، ولن تلبث أن تُحرق قلوب أصحابها، وقلوب المتداولين متى عادت السوق، لا قدر الله، لتسجيل قيعانٍ سحيقة لأسباب لا علاقة لها بأساسيات السوق!.

هناك التفاف صريح على التعليمات المنظمة لقروض المضاربة على الأسهم، ومخالفات جوهرية وإن توشحت برداء النظام، وخسائر فادحة أصابت المقترضين والمتداولين في مقتل، وأضرار بالغة عمقت من جراح سوق الأسهم السعودية، وخطط تخريبية يرسمها بعض كبار المضاربين لبعضهم البعض بغية الوصول بأسعار الأسهم المرهونة إلى مستويات تَفرض على البنوك المُقرضة القيام بإجراءات التسييل أو المطالبة بالتعزيز، وهكذا دواليك حتى يخرج المليء صفر اليدين، ويتضرر الاقتصاد، وتفقد السوق سيولتها المؤثرة، وبعض صناعها الأقوياء.

سوق الأسهم يجب أن تكون مصدرا لخلق الأموال، ودعم الاقتصاد، وبناء قطاعات الإنتاج، لا محرقة لأموال المواطنين، وكازينو يقامر فيه المقامرون ضد مصالحهم ومصلحة الوطن.

لا مفر من وقف تسهيلات المضاربة، وضمان القائم منها، ووقف عمليات التسييل المستقبلية، وضبط نظامها بما يكفل تحقيق مصلحة السوق، المتداولين، والمصارف بعدالة تامة، وإجراء دراسة موسعة يمكن من خلالها معالجة الأضرار، وتجاوز الأخطاء، وسن الأنظمة والقوانين الكفيلة بتحصين سوق الأسهم من تداعيات الأزمات الحادة، وعبث العابثين بمقدرات الوطن.



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد